بنت السلطان والجمل
الجــزء الأوّل
أبدأ بسم الله وأصلي على رسول الله، سوف أقصّ عليكم اليوم خرافة مأخوذة من التراث الشعبي القديم تحت عنوان "بنت السلطان والجمل"، والتّي سأقسمّها إلى أجزاء فأرجو أن تنال إعجابكم... تابعوني.
توطـــــــئة
يحكى في قديم الزمان عن حطاب فقير الحال، يحمل فأسه كل صباح ويتجّه إلى الغابة ليقتطع بعض الأغصان ثمّ يربطها بحبل ويحملها على ظهره ليبيعها في السوق بثمن يكفيه قوت يومه هو وعائلته.. مرّت الأعوام طوال والحطاب على نفس الحال يعمل دون كلل أو ملل.. حتّى وضعه المادي لم يتحسّن وظلّ فقيرا لكنّه كان دائم الحمد والشكر لله.
الجمل الغريب
في أحد الأيام، لم يستطع الحطاب الاستيقاظ
باكرا.. فقد أنهكه العمل وخانه كبر سنّه - أيقظته زوجته بصعوبة والتي ظنت أنّه ذهب
إلى عمله - فنهض مسرعا وتوجّه نحو الغابة حاملا فأسه على كتفه يلوم نفسه طوال
الطريق، فها هي الشمس أوشكت على أن تنتصف السّماء وهو لم يصل بعد إلى الغابة، وعند
وصوله باشر في قطع الأغصان وجمع الحطب وتكديسه حتى أصبحت كومة الحطب كبيرة -
مُتناسيا جوع بطنه فما باليد حيلة عليه بيع ما جمعه من حطب ليستطيع شراء قوت يومه
- قام بربط كومة الحطب بصعوبة ولكنّه لم يستطع حملها أو وضعها فوق ظهره، حار في أمره ماذا
عساه يفعل؟ فهو لا يستطيع تقسيمها أو أن يترك نصف الكمية في وسط الغابة فيضيع تعبه
سُدًى.
أسند ظهره على جذع شجرة وجال ببصره في الغابة لعلّه يمرّ شخص يساعده على حملها وطال انتظاره فقرّر التوغّل في الغابة لعلّه يجد منزلا يستنجد بمن فيه حتّى خيّم الظلام على المكان، فجأة برز أمامه جملٌ ضخمٌ، اقترب منه رويدا رويدا خشية أن يهرب منه، لكنّ الجمل ضلّ مكانه وكأنّه مالكه، فتساءل الحطاب بينه وبين نفسه:
من أين جاء هذا الجمل؟ أو تُراه فرّ من سيّده؟
ثمّ حزم أمره وقرّر أن يستعمله في حمل الحطب إلى المنزل وإن جاء صاحبه يعيده إليه، وأخذ في تكديس الحطب على ظهر الجمل وربطه جيّدا حتّى لا يقع منه ثمّ قاده متجّها نحو منزله.. فاليوم لم يُسعفه الحظ في بيع ما جمعه، وضع الحطاب الجمل في إسطبل صغير ملاصق لبيته المتواضع وروى لزوجته ما حدث معه ونام من شدة التعب والجوع.
في الصباح الباكر استيقظ
الحطاب ليطعم الجمل ثمّ يصطحبه ليبيع ما جمعه من حطب في السوق ولعلّه يجد صاحبه
الحقيقي فيُعيده إليه، فأتجّه إلى الإسطبل فوجد الجمل قابع على الأرض مكانه وأمامه
شيء يلمع بقوة، أسرع إليه الحطاب فإذا بها جوهرة تُبهر العينين من كثرة لمعانها،
حمد الله كثيرا على ما رزقه وقام بتخبئتها في مكان في الإسطبل.. ثمّ حمّل الحطب
على ظهر الجمل واتجّه إلى السوق وقام ببيع كامل الكميّة واشترى ما يلزم عائلته من
طعام وبعض السمك، ثمّ عاد مسرعا إلى منزله وقام بتنظيف الإسطبل وقدّم له بعض
الأعشاب والنباتات والأوراق الجافة وبعض البقوليات كان قد اشتراها ليقدّمها إليه
مع الماء.
كان الحطاب يستيقظ كلّ صباح باكرًا ليتفقّد الجمل فيجده قابع مكانه وجوهرة أجمل من الأولى أمامه فيفرح بها ويخبأها بجانب الأخرى، ثمّ يقود الجمل إلى الغابة فيجمع الحطب ويحمّلها على ظهر الجمل ويتوجّه به مباشرة إلى السوق ليبيعه ويشتري قوت يومه، والغريب في الأمر أنّ المالك الحقيقي للجمل لم يظهر بعد.
الجمــل العــاشق
في أحد الأيّام بينما كان
الحطاب في السوق يبيع الحطب، إذ بالمنادي ينادي بضرورة فسح الطريق ومطالبة التجار
بترك دكاكينهم وتجميع كل النّاس في مكان واحد، فالأميرات سيتجولن لشراء ما يحلو
لهنّ، فما كان من الحطاب الطاعة فترك كومة الحطب والجمل والتحق بباقي النّاس، بعد
مدة صغيرة إذ بموكب الأميرات يمرّ بالسوق، أميرات بغاية الحسن والجمال يلبسن أفخر
الثياب والمجوهرات يصطحبهنّ الجواري والحراس يتجولّن من دكان إلى آخر ويخترن ما
يحلو لهنّ ويضعن ثمن ما أخذن من سلع أضعاف مضاعفة حتى مرّت الأميرات أمام الجمل
دون حتّى أن ينتبهن لوجوده، لكنّ الجمل لاحقهنّ ببصره حتّى انتهت الجولة وعُدن
الأميرات إلى القصر.
أخذ التّجار في العودة
تدريجيا إلى دكاكينهم مسرورين بما جَـنُوه من أموال ودبّت الحركة إلى السوق من جديد،
توجّه الحطاب إلى مكان الحطب فإذا بالجمل كئيب حزين، استغرب لحاله وتساءل لربّما
هو مريض، باع الحطب وعاد إلى المنزل ووضع الجمل في الإسطبل كعادته وخلد إلى النوم.
يوم، يومان، ثلاث أيام
وحال الجمل في سوء، لقد انقطع عن الأكل والشرب وهو قابع مكانه في الإسطبل لا
يبرحه، وعيناه غرقى بالدموع يخيّم عليه الحزن، احتار الحطاب في أمره فاستنجد
بزوجته لعلّه يجد عندها حلاّ، فأخبرها بأنّ الجمل على هذه الحال منذ أن قدمت
الأميرات إلى السوق، فأخبرته بأنّ الجمل عاشق ويريد من يؤنس وحدته ومن المؤكد أنّه
وقع في حبّ إحدى الأميرات.
قهقه الحطاب بشكل هستيري وسخر من كلام زوجته الساذجة، فطلبت منه أن يرافقها إلى الإسطبل وقرفصت أمام الجمل وأخذت تمسح على رأسه في حنان وسألته قائلة:
أخبرني أيها الجمل، هل وقعت في حب إحدى الأميرات؟
فهزّ الجمل رأسه بالإيماء
علامة الإجابة، فحاولت الزوجة أن تتأكد من كلامه وأخذت تذكر أسماء الأميرات حتّى
تعرف من الأميرة المختارة والجمل لا يحرّك ساكنًا، إلى أن ذكرت اسم الأميرة الصغرى
فلمعت عيناه فجأة وأومأ برأسه "أي نعم"، وهنا التفتت الزوجة إلى الحطاب
علينا أن نفكر في حلّ فهو مورد رزقهما الوحيد.
أخذ الحطاب يفكّر بينه
بين نفسه ثمّ أخبر زوجته أنّ هذا الجمل كان صاحب فضل عليه في مساعدته على حمل
الحطب بادئ الأمر وعن تلك الأحجار الكريمة التي كان يجدها كلّ يوم بجانبه ممّا
جعله صاحب ثروة طائلة في حال باعها لذلك قرّر أوّلا أن يشتري منزلا لائقا وينتقل
من هذا المنزل المتداعِ، لذلك قرّر مساعدته فهو جمل غير عادي وخلفه يكمن سرّ كبير
ما دام أنّه عشق أميرة.
بعد انتقال الحطاب وعائلته إلى منزلهم الجديد، قرّر أن يذهب إلى قصر السلطان ويتقدّم لخطبة الأميرة الصغيرة رغم نهي زوجته عن ذلك خوفا من بطش السلطان، فكيف يتجرأ على خطبة ابنته لجمل؟؟... فهو أمر جلل لا يقبله عقل.. في صبيحة الغد قصد الخطاب قصر السلطان وطلب مقابلته.. لما مَثُل بين يدي السلطان شعر بالخوف فبقي مطأطأ الرأس لا يتفوّه ببنت كلمة، فسأله السلطان عن سبب مجيئه فرفع رأسه وقال في صوت مرتعش:
مولاي السلطان المعظّم، قد جئتكم لخطبة أميرتنا الصغيرة لابني الجمل.
ساد القاعة صمت رهيب،
وخاله السلطان مجنونا.. فكيف لعاقل أن يتقدّم لخطبة أميرة لجمل، فقهقه السلطان
وضحك كل من في القاعة.. لكنّ الحطاب أخبره أنّه جادّ في طلبه فغضب السلطان وأمر
بقطع رأسه حتّى يكون عبرة لغيره.
تقدّم الوزير نحو السلطان
وهمس في أذنه قائلا:
مولاي لا تتعجل في حكمك.. هذا الرجل أظنّه مخبولا، وسوف يتحدث الناس عن ملكهم العادل الذي قطع رأس مجنون ويلوموك ولن تستطيع إسكاتهم وتفقد هيبتك بين شعبك.. فسايره في الأمر واشترط عليه ثلاث طلبات مستحيلة فتجد بذلك علّة أمام الرعيّة أنّه عجز عن تنفيذ الشرط وبالتالي فهو يستحق العقاب وفي نفس الوقت لن تلقى لومًا من شعبك.
استحسن السلطان كلام
وزيره وهدّأ من روعه ورمق الحطاب في مقت وخاطبه قائلا:
لقد قبلت عرضك بشرط لي ثلاث طلبات إن نفذّتها أزوّج الأميرة لأبنك الجمل، وإن فشلت في تنفيذها لن أترددّ لحظة في قطع رأسك بسيفي.
أومأ الحطاب المسكين الذي
وُضع في موقف لا يُحسد عليه، ورجلاه ترتجفان من شدّة الخوف.. فقد أوقع نفسه في
مصيبة لا مخرج منها...
ترى ماذا سيشترط عليه السلطان؟
وهل سيكون قادرا عن
تحقيقها؟
تابعونـــــــــــــــــــــــا.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا لمشاركتنا الرأي وتشجيعنا على الإستمرار.