القائمة الرئيسية

الصفحات

 

بنت السلطان والجمل
الجــزء الثـــاني


بنت السلطان والجمل
بنت السلطان والجمل

تـــــــوطئـــة

كنّــا قد توقفنا في الجزء الأول عندما قرار الحطاب بالذهاب لقصر السلطان لطلب يد الأميرة الصغيرة للجمل وما لَـقِيه من سخرية ومن تهديد من قبل السلطان لولا تدخّل الوزير الذي استطاع بحنكته إنقاذ الحطاب نوعًا ما من الإعدام، واشترط عليه شروطا تعجيزية بغية التخلص منه عقابا له على جرأته.

 

شروط الســلطان

نظر السلطان إلى الحطاب - الذي كان في حال يُرثى لها من الخوف، فهو يُغامر بحياته - في اُزدراء ثم خاطبه بصوت عالٍ وأشهد عليه كلّ من في القاعة:

لقد أُعجبتني شجاعتك وبالرغم من ذلك لي شروط ثلاثة إذا استطعت تلبيتها وافقت على طلب الزواج بابنتي الأميرة لاُبنك الجمل.

أومأ الحطاب المسكين برأسه قائلا: 

سمعًا وطاعة.

فقال السلطان بنبرة المنتصر:

شرطي الأول هو أن تجلب لي عنقود عنب يكفيني أنا ووزيري وحراسي وحاشيتي كلها ويتبقّى منه.. وإن لم تفعل قُطع رأسك.

 وأشار إليه بالانصراف وأمهله لصبيحة الغد، فطأطأ الحطاب رأسه وأحس بدوار وتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه وعاد إلى منزله مهمومًا حزينًا واتجّه مباشرة إلى الإسطبل حيث وجد الجمل قابعًا مكانه، فأخبره الحطاب بشرط السلطان الأول والمهلة التي أمهله إياه فهزّ الجمل رأسه علامة الموافقة، فنهض الحطاب مهموما يلوم نفسه على تسرّعه طوال اليوم حتّى جنّ الليل وخلد إلى فراشه دون جدوى فقد جافاه النوم حتى بزغت الشمس، يدعو الله أن ينجّيه من هذه المصيبة التّي حلّت به.

غيّر ملابسه واتجّه مباشرة إلى الإسطبل، فوجد بجانب الجمل طبقًا ذهبيّا فيه عنقود عنب صغير لا يُشبع ولا يُغني من جوع، لكن ما باليد حيلة، ودّع زوجته وأبناءه وذهب إلى قصر السلطان راضيا بقدر الله، عند وصوله أذِن له بالدخول وقدّم الطبق للسلطان فأكل هو ووزيره العنب حتى شبع، ثمّ مرّر الطبق إلى حاشيته وحرّاس القصر حتى امتلأت بطونهم، وحبات العنب في ازدياد لا في نقصان والحطاب في دهشة من أمره، لكنّه في قرار نفسه فرح بنجاته من الموت المحتّم.

أيقظه من شروده صوت السلطان الممتعض:

أحسنت، لقد نفذّت الشرط الأول، أمّا بخصوص الشرط الثاني فيتعلق بحبة جوز سحرية، عندما أكسرها يخرج منها بساط أحمر اللون، يكفي في فرش كامل القصر والحديقة ويتبقى منه قدر كاف لا بأس به.. أمهلك لصباح الغد.

ثم أشار إليه بالانصراف، غادر الحطاب القصر مهموما، فالشرط الثاني أصعب بكثير من الأول.. فكيف للعقل البشري أن يستوعب أنّ حبّة جوز صغيرة تحوي بداخلها بساطا يكفي لفرش قصر السلطان الشاسع وحديقته اللامتناهية... فيا لها من ورطة.

ترجّل نحو المنزل وأخبر الجمل بشرط السلطان، ثمّ انهمك في أعماله ومع صبيحة الغد توجه مباشرة نحو الإسطبل فوجد بجانبه طبقا صغيرا مرصع بالحجارة الكريمة وفي وسطه حبّة جوز صغيرة صفراء اللون.

حمل الطبق وكلّه أمل في أن يصدق الجمل في وعده وينجو من الموت، مثُل أمام السلطان وقدّم له الطبق.. كُسرت حبّة الجوز فوجدوا داخلها بساط أحمر اللون... أخذ الخدم في فرش القصر ثمّ أرجاء الحديقة وحجم البساط في ازدياد أمام دهشة الجميع بما فيهم الحطاب.. فها هو الشرط الثاني قد نُـفّـذ.

امتعض السلطان وظلّ برهة ينظر إلى الحطاب مطأطئ الرأس، ثمّ أخذ يفكّر في شرط لا يقدر عليه أحد مهما كانت قوتّه ثمّ خرجت كلماته حادة كالسيف قائلا:

لقد برهنت لي صدقك وحرصك في تنفيذ شروطي.. ولا أخالك تعجز عن شرطي الأخير الذي بتحقيقه يستطيع ابنك الجمل مصاهرتي.. لذا أريد منك أن تبني لي قصرا محاذيا لقصري.. أوسع وأجمل من قصري في ليلة واحدة... عندما أطلّ من شرفتي أريد أن أجده مشيّدا مكانه.. يمكنك الانصراف.

أحسّ الحطاب بالدوار، فهذه المرة موته محتّم لا محالة.. توجه كعادته إلى الإسطبل وأخبر الجمل بشرط السلطان، فهزّ الجمل علامة الموافقة... في صباح اليوم التالي، فتح السلطان عينيه على ظل أبراج عالية حجبت وصول أشعة الشمس عن الدخول لجناحه، فهرع مسرعا إلى الشرفة يستكشف الأمر وإذا به أمام قصر مهيب لم تره عين إنسان قط.

لم يصدّق ما رأى فأمر وزيره بالمجيء يستخبر من صاحب القصر ومن بناه ومتى بدأت أشغاله ومتى انتهت لعلّه في حلم فيستيقظ منه.. لكنّ الوزير لم تكن له إجابة ولم يلحظ حراس القصر أناس يقومون بالبناء.. حتّى أنّ العامّة اجتمعوا حول القصر الجديد مبهورين بزخرفته وعظمته متسائلين عن صاحبه.

 

زواج الأميرة والجمل

احتار السلطان في أمره، لقد نفذّ الحطاب جميع شروطه بسهولة تامة وعلم بأنّ وراءهما سرّ فطلب من وزيرة خطة ليتخلّص منهما.. لكنّ هذا الأخير استطاع تهدئته ونجح في إقناعه بعدما أعلمه بأنّ خبر الخطبة قد تسربّ خارج القصر وتناقله النّاس، ونقضه الوعد سيفقده حتما ثقة شعبه وأنّ كلّ هاته الثروة سوف تؤول إليه وتزيده قوة وهيبة.

توجّه السلطان لجناح ابنته الأميرة وأعلمها بأنّه وافق على زواجها من ابن الحطاب وطلب من الجواري تجهيزها لأنّها الليلة سوف تزّف عروسا للجمل ولن تقام حفلة، صُدمت الأميرة وترجّت والدها دون جدوى فراحت تندب حظّها التعيس.

في المساء، ودعت الأميرة أمها وإخوتها في موكب حزين وصعدت العربة متجهة إلى بيت الحطاب - الذي رحبّ بمجيئها هو وزوجته التي أوصلتها إلى غرفتها - دلفت المسكينة تجر رجليها جرّا وكأنّ الجحيم بانتظارها فوجدت الجمل قابعا على الأرض، أغلقت الباب وارتمت على فراشها تندب حظها وغرقت في دموعها إلى أن داهمها النوم.

 

سـرّ الجـمل الخفـيّ

فتحت الأميرة عينيها على زقزقة العصافير فجالت ببصرها في أرجاء الغرفة فهو غير تلك التي دلفتها مساء أمس، وسائد من الريش وأغطية قطنية وأخرى من حرير الخالص ومطرّزة بالذهب، وستائر لم ترها في قصر والدها، أخذت تفتح عينيها ثمّ تغلقها حتّى تتأكد أنّ تراه ليس حلما، ثمّ تذكرّت أنّها زفّت إلى جملٍ البارحة فالتفتت بجانبها فإذا بشاب وسيم كامل البنية يغط في نومه كالملاك.

نطّت من فراشها بسرعة مرتعبة تسأل نفسها أين ذاك الجمل الذي رأته البارحة؟ ثمّ من أين أتى هذا الشاب؟ وماذا يفعل في غرفتها؟ وهي من أتى بها إلى هذه الغرفة أصلا؟

أفاق الشاب الوسيم واتجّه نحوها مبتسما وطمئنها بأن لا تجزع منه فلن يلحق بها الأذى وأخبرها بأنّه هو نفسه ذاك الجمل فهو شاب مسحور يتحولّ إلى جملٍ نهارًا ثمّ يعود إلى صيغته البشريّة ليلا.. وتوجّب عليها كتمان سرّه وأن لا تخبر أحدا وإلا سيختفي من حياتها للأبد.. لذلك عليها بالصبر والمصابرة إلى أن يجدا حلا لهاته المعضلة.

اطمأنّ قلب الأميرة وعاهدته على حفظ سرّه للأبد، لكنّ الجمل لم يصارحها بالحقيقة كاملة ولم يخبرها بأنّه لا ينتمي إلى عالم البشر بتاتًا فهو جنيُّ من الجنّ وليس إنسيّا تخاف وتبتعد عنه، فقد وقع في حبّها من الوهلة الأولى، حتّى أنّ والدته لن تغفر له زواجه من إنسيّة.

ترى هل ستستمرّ العلاقة بين الزوجين إذا اكتشف سرّ الجمل؟

هذا ما سوف نعلمه في الجزء الثالث من قصتنّا "بنت السلطان والجمل".

تـــابعـــونــا.... 😊

أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع