القائمة الرئيسية

الصفحات

 

اصنع السّعادة بنفسك


اصنع السعادة بنفسك


بعض الناس خُلق ليأخذ الحياة كاملة على محمل الجديّة، 

فهناك من يظنّ أنّ الحياة عدوّ له..

 ولا ينظر أنّه أحيانا  يتخلّل الحياة لعب ولهو.

الله عزّ وجلّ لمّا وصف الحياة قال:

اعْـلَمُوا أَنَّـمَا الْحَيَاةُ الـدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ 

هذا هو الوجود.. 

فالوجود هو مراوحة بين ذاك وذاك،

وأخذك للحياة بجديّة سيُرهِقك. 

لذا توجّب عليك أن توازن.. 

ما بين جدّية ومرح وسرور.

واصنع السّعادة بذاتك.. 

فإيّاك أن تحزن، 

إن أحسنتَ وأُسيء إليك أو أَطعَمْتَ وغُـدِر بك..

وإيّاك أن تحزن، 

إن ابتسمت وعُـبس في وجهك أو داويتَ وأُذِيتَ..

وإيّاك أن تحزن، 

إن أسْكَنتَ وشُـرّدْتَ أو أسْقَيت وأصابك العطش.

سيّدي الفاضل، أخي الكريم، صديقي القارئ.. 

لا تربط مجال سعادتك بأحد.. 

لأنّه إن غاب ذاك الشّخص، 

سترى أنّ السّعادة غابت معه.. 

اختفت مع اختفاءه..

وذهبت مع رحيله.

فكن ذاك الشّخص.. 

الذي يصنع السّعادة من نسج خياله.. 

ويجعلها مرتبطة بذاته وليس بالآخرين.

فمن روائع القرآن سيّدي القارئ..

أنّ الله حذّرك بأسلوب رائع جميل.. 

وأخبرك بأنّ الذّي اشْتريْتَ له وسادة لينام عليها.. 

سيرثكَ حينما تضع رأسكَ في قبركَ.

نعم سيحزن على موتك.. 

وسيجلس على قبرك باكيًا.. 

لكنّه سينساك وتُصبح ذكرى.. 

سوف تُنسى ويَنسَى.

وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)

كأنّ الله عز وجلّ يرسل لك رسالة خفيّة،

يُخبرك فيها.. 

 بأنّ كلّ ما جمعته في هذه الدنيا سوف يُؤخذ منك.. 

أنت نقلت لورثتك الإرث والمال.. لكنّك ذهبت لوحدك.

فلا تسعى كثيرا لإرضاء أحد.. 

وإيّاك أن تحفر بئرا تجهد نفسك لتسقي النّاس.. 

بينما تمُتْ أنت غرقًا.

وازن بين ذاتك وبين إرضاء نفسك..

وازن بين غرورك وبين حاجة النّاس..

وازن بين أخلاقك وسعة الأخلاق مع النّاس.. 

وبين أخلاقك لذاتك ونفسك في إسعاد نفسك.

وازن بين ما تُنفقه على النّاس لتُسعدهم.. 

وبين ما تُنفقه على ذاتك لتُسعدها.

وازن بين سماع ما يُؤذيك.. 

وبين سماع ما يُسعدك.

وازن بين عملك وأسرتك.. 

وازنْ بين صديقك وحبيبك..

وازن بين والدتك وبين أهل بيتك.. 

وازن بين إرضاء نفسك وإرضاء النّاس.. 

وازن بين فكرك والمنطق.

وازِنْ لأنّ الحياة مُوَازَنَة.. 

فكلّ شيء يجري على هذه الأرض لا بدّ له من ميزان.

فما دُمْتَ حيًّا لا بدّ أن توازن.. 

تُـوازِنْ حتّى بين طعامك وشرابك وبين حركة جسدك.. 

وتُـوازِنْ ما بين نومك وسهرك.

وازن لأنّ الحياة مُوَازَنَة.. 

وازن بين ثقافتك واطّلاعك وما بين تعليم النّاس..

وازن حتّى بين حبّك لما تملك وبين حبّك لذاتك فيما تملك.

إيّـاك ثم إيّـاك، 

أن تجعل ما يصدر عن النّاس.. 

سِهامًا تُسقِطك أو تُؤذيك وتجرحك.

وتذكّـر أنّه لم يسلم من النّاس ربّ العباد.. 

سبّوا الذات الإلاهية..

جعلوا له ولدًا وصاحبة..

وَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا 

لذا إيّـاك أن تعلو فوق قدر الله..

فالله لم يُمسك ألْسِنة النّاس عن ذاته.. 

فلا تُطالب الله بما لم يفعله بذاته.

صديقي القارئ.. 

طبّق كلام علي (إمام الحكمة) رضي الله تعالى عنه وأرضاه عندما قال:

التغاضي نصف العافية

فعِشْ لذاتك وتغاضى عن كلام النّاس وعن أفعالهم.. 

فالتغاضي هو نصف العافية وسيّدها.

فإيّـاك ثمّ إيّـاك أن تجعل صحّـتك دِرْعًا لمشاكلك.. 

أو أن تجعل صحّـتك في مواجهة مع مشاكلك..

بل أعظم مواجهة لحلّ المشكلة هو أن لا ترى المشكلة في حدّ ذاتها.

فتعلّم سيّدي الكريم.. 

كيف تأخذ الحياة الدنيا بسلاسة وسهولة.. 

ولا تنافس كثيرا على الدنيا لأنّنا سوف نخرج منها ميّتون. 

فجلّ وكلّ ما في الدنيا من مالٍ وأملاكٍ وعقاراتٍ لن نأخذها معنا.

إنّ أقصى أمانينا في الدنيا هي أن نخلّـد فيها.. 

لكن هيهات.. 

لن نُخـلّد لأنّنا سوف نموت ولن يبقى غير الله.

وأوّلّ الأشياء التّي لن نُخلّـد فيها هي الدّنيا لأنّها زائلة وفانية.. 

لذا لا تأخذها على محمل الجدّية ولا تتنافس عليها كثيرا.. 

فأنت لن تُخلّد ونحن لن نُخلّد.

وتعدّ هذه القناعة جزء من أجزاء السّعادة.. 

لأنّه مهما كان من همٍّ بعدم الخلود سيزول..

حتّى الفقر والجوع طالما أنّك لا تُخلّد سيزولان.

لهذا لا تكترث بالدّنيا ولا تسعى لها.. 

ولا تجعلها جلّ همّك.. 

ولا تُقاتل عليها كثيرا.

اعلم أنّ الزّمن لا يكترث بك..

فلا أعلم أنّ الزّمن اكترث بأحد..

أو اكترث بمشاعرك سواءً كانت طيبة أو مُبكية..

لا أعلم أنّ الزّمن اكترث بأحد.. سواءً فَقَدَ أو أَخَذَ.

مات الأنبياء وبقيتْ الشّمس تُشرق.. 

لأنّ الزّمن لا يكترثُ بأحد ولا يتوقّف من أجل أحد. 

لهذا من أُسَسِ السّعادة أن لا تُقبِل على الدّنيا..

فسبحان الله.. 

إن أقبلت عليها (أي الدنيا) تركتك وإن أهملتها أتَـتْك..

لذا لا تحزن على من لا يحزن عليك..

ولا تكترث بمن لا يكترث بك.

اجعل لنفسك من نفسك نصيبا..

لأنّه هناك مشاعر لا تُترجم.. 

وأفكار لن يفهمها أحد حتّى أقرب النّاس لك.. 

ولا تستطيع أنت أن تُفهمها وتُترجمها..

فأحيانا نعتزل النّاس لِـنُتَرجم تلك الأفكار لذاتنا مع مشاعرنا.

فلا تكترث.. 

إن ظنّ النّاس أنّك شخص انطوائي أو متحيّز أو قاسي أو حتّى ظالم ..

أُخْلو مع نفسك لأنّ الخلوة تُمكّنك من تأسيس حوار المنطق..

حوار بين عقلك وعاطفتك في ذاتك.

اجعل لنفسك من نفسك نصيبا.. 

ولا تظنّ أنّ الخلوة مرض قد اعتراك..

لا أبـــــــدًا

بل هي جزء من إعادة نشاطك وفكرك والحيويّة التي كنت تبثّها للنّاس.

أنت أحيانا تحتاج لهذه الخلوة..

خلوة المنطق التي يتخاطب فيها عقلك مع مشاعرك..

لتخرج بنتيجة ترضى بها عن نفسك وعن ذاتك.

لكن لا تتمادى في خلوتك وانعزالك.. 

فأنت اجتماعي بطبعك.. 

لا تستطيع أن تحي الحياة منفردا.

سيّدنا آدم في الجنة.. 

حيث ما لا عَيْنٌ رَأَت ولا أُذُن سَمِعت ولا خَطَرَ على قلب بَشر..

آدم الذّي يُـكلّم ربّه..

وبالرغم من هذا الشّرف أحسّ بالوحدة..

فخلق له الله حوّاء.. 

صاحبة وزوجة وقُرّة عين حتّى يَـأْنَس بأُنْسِها.. 

بَشَرُ مثله ومن نفس طِينته يتكلّم معه.

لهذا لا تظنّ أنّك تستطيع أن تحيى منفردا..

لأنّ ذلك سيكون بداية انهزامك.. 

فالتعايش سمة من سمات البشر وتكوين المجتمعات، قال تعالى:

أَيُّـهَا الْنَّاسُ إِنَّـا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا

فلا بدّ أن تصل لقناعة.. 

أنّه حتّى وإن جعلت لنفسك من نفسك نصيبا، 

لا تبتعدْ عن حيّز الحبيب، أو الصديق.. 

اختر رفيقًا.

اجعل لك من يشعر بك.. 

ويأنس بقربك.. 

ويزن كلامك.. 

ويرى أنّ الاستماع إليك جزء من علاجك.. 

ووجزء من نزع همومك..

اجعل لك رفيقَا، 

يرى أنّ الاستماع إليك.. 

هو جزء من موجبات التعايش، 

لأنّه سوف يُخفّف من ثقل العبء عنك.. 

كلّ هذا في الاستماع فقط ناهيك عن الاحتواء.



 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع