الطبيب المعجزة "الطبيب الصقلي"

 الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع
الـــجزء الأوّل

 

تـــــــوطـــــــئة

هذه الخرافة أو القصة لها علاقة وطيدة بقصة يوسف المسحور المدفون تحت سبعة قبور تكون فيها الأحداث متشابهة قليلا مع أحداث القصة السابقة في البداية فقط والتّي سوف نختصرها تجنّبًا للإطالة.. ذكرنا فيما سبق بأنّ الأخت الكبرى قبل الذّهاب في رحلتها للبحث عن قسمتها ونصيبها يوسف المسحور أوصت أختها الوسطى - في حال عدم عودتها في غضون سنة - بأن تزور أختهما الصغرى لتسألها عن سبب هروب زوجها الأمير تلك الليلة المشئومة.

اكتملت السنة ولم تعد الأميرة الكبرى ولم يصل إلى الآن رسولاً منها تطمئن بالهم، فمنهم من ظنّ أنّها هلكتْ في الطريق أو أُسِرت من قطاع الطرق.. فقرّرت الأميرة الوسطى العمل بنصيحة أختها الكبرى واستأذنت أباها بالذّهاب إلى زيارة أختها الصغرى وسألتها عن سبب هروب زوجها تلك الليل وعلِمتْ أنّ الجنيّ قال:

هذه الأميرة هي من نصيب الكلب ذو السلاسل السّبعة.

 

يـــوم الرّحيل

رغم عِلمها بأنّ زوجها على هيأة كلب، قرّرت الأميرة الوسطى الرّحيل وأوصت أختها أن تهتمّ بأبيها وأن تُكثر من زيارته أو تنتقل إلى قصره وتُأنِس وحدته بعد غيابها ورحيل أختهما الكبرى ومع بزوغ الشّمس، تنكّرت في ثياب رجاليّة وامتطت حصانها بعد ما وضعت كيسًا من الحجارة النفيسة والنقود الذهبيّة تحتاجها في سفرها و صَرَّةً فيها بعضًا من المئونة من ملابس وطعام..

طالت سفرتها وهي تَجُول البلدان واحدة تلو أخرى وتسأل عن الكلب ذو السّلاسل السبعة دون جدوى.. إلى أن حطّ بها الرِّحال إلى أرض شاسعة - كان نفس المكان الذّي يوجد فيه قصر العفريت - وعثرت على الصخرة الرخاميّة التي سبق وأن وجدتها أختها سابقا والتقت بفتاة القصر وتبادلتا الهموم وقصّت كلّ منهما قصتّها العجيبة.. كما أخبرتها الفتاة بأنّها التقت أختها الكبرى ووعدتها بسؤال العفريت عن قصة الكلب ذو السلاسل السبع.. لقد كان ردّ العفريت قاسيا عند سماع سؤال الفتاة المسكينة وقام بضربها وكاد أن يقتلها لولاَ لُطفُ الله.  

بعد مغادرة العفريت القصر قرّرت الفتاة الهروب من بطش العفريت فقد سئمت حياة السّجن وأصرّت على البحث هي أيضا عن أختيها لعلّها تنجح.. فأخذتَا ما يلزمهما أثناء السّفر من طعام وشراب وبعض المجوهرات وانطلقتَا تسألان عن الكلب ذو السلاسل السبعة في كل بلدة أو مدينة تمرّان بها والنّاس يستغربون من سؤالهما.. كانت لدى الفتاة قلادة سحرية تُرشدها على الطريق المؤدّي إلى قصر أختها الوسطى الذي سَجَنها فيه العفريت.

أخيرا وصلتَا إلى القصر والتقت الفتاتان بعد فراق دام أكثر من عشر سنوات، وأخبرت الأميرة عن قدوم أختها وأنّها لم تجد جوابًا لِسؤالها، لذلك لا داعي من سؤال العفريت عن قصة الكلب ذو السلاسل السبع لأنّه سوف يقوم بضربها وفي النهاية لن يخبرها عن القصة.. وأنّها حتمًا ستجد الإجابة عند أختها الكبرى لأنّ العفريت لا يستطيع أن يردّ لها طلبًا.. فقرّرت الرحيل معهما وانتظرت حتّى غادر العفريت القصر وضمنت ابتعاده كي لا يمسك بهنّ.  

 

حقيقة الكلب ذو السلاسل السبع

دون إطالة في الكلام، وصلت الفتيات الثلاثة إلى قصر العفريت الموالي- وكان اللقاء بين الأخوات مؤثّرا ومُبكيًا - ثمّ قامت الفتاة الكبرى بتخبئتهم في غرفة بعيدة كي لا يشتمّ العفريت رائحتهنّ.. وعند قدومه استقبلته أحسن استقبال وأعدّت له أطعمته المفضلّة وجلست بجانبه تنظر إليه والضِحكة لا تُفارق شفتيها.. ثمّ أخذت ترقص والعفريت مبهور بجمالها ورشاقة جسمها ثمّ طلبت منه بأن يقصّ عليها بعض الحكايات الغريبة التّي لا يعرفها سواه.

سُرَّ العفريت بطلبها وأخذ يسرد عليها حكايات يشيب لها شعر الرّأس لغرابتها ووحشيّتها وهنا استغلّت الفتاة الفرصة وأخبرته بأنّ مربيّتها كانت أيضا تقصّ عليها قصصًا جميلة قبل النوم عندما كانت صغيرة وكلّما رفضت النوم تُخبرها بأنّ الكلب ذو السلاسل السبع يشتمّ رائحة الأطفال الذين لا يريدون النوم باكرًا ويقوم بسجنهم في مغارة العقاب الأبدي ولا يعودون أبدًا إلى ديارهم..

قهقه العفريت حتّى اهتزت جدران القصر وطمئنها لأنّه مربوط بسبع سلاسل والوصول إليه مستحيل.. تشّجعت الفتاة وسألته عن مكانه والطريق المؤديّة إليه وهي تطعمه بيدها في دلال.. فأخبرها بأنّه يتوجّب على الشّخص بأن يُمزّق سبعة أمْدِسة أحد العفاريت (جمع مداس وهو الحذاء قديما) ويقطع بهم سبعة بَرارٍ وبين كلّ برّية وأخرى عليه أن يعبر بُحيرة - من إجمال سبع بحيرات ذات تيارات مائية قويّة - بعد أن يرمي إحدى الطواقِ السبعة بالماء - والتّي ستتحوّل إلى زورق سرعان ما يغرق بعد ملامسة تراب الجهة المقابلة للبحيرة - ثمّ يأخذ سبعة لَقَمَاتٍ (جمع لُقمة) من طعام ...

اٌنتبه العفريت بأنّ الفتاة جرّته بالحديث على أشياء يتوجّب كتمانها، فتوقّف على الكلام وخلد إلى النوم، فأسرعت إلى مخبأ الفتيات وأخبرتهنّ بما دار بينها وبين العفريت وطلبت منهنّ بأن لا يصدرن ضجة حتّى تطمئنّ من ابتعاده عن القصر.. وفي الصباح ألحّت عليه أن يشاركها فطور الصباح فلم يرفض طلبها واشترطت أن تقوم هي بإطعامه.. رحّب العفريت بفكرتها، فكانت مرّة تضع لُقمة في فِيهِ ومرّة أخرى تُغافله وتُخفي بين الحين والآخر لُقمة بجانبها متظاهرة بأنّها هي من أكلتها إلى أن جمعت سبع لَقَمَاتٍ.

بعد ابتعاد العفريت عن القصر، أسرعت الفتاة ولفّت اللَقَمَات السبعة في منديل، ثمّ أتَتْ بسبع أمْدِسة مهترئة حتّى تتمزّق بسرعة ومعها سبعة طواقٍ، واتّجهت إلى مخبأ الفتيات وأعطت الأميرة الكيس وشرحت لها ما يتوجّب عليها فعله.. كما قرّرت الفتاة أن تصطحب أختيها المخطوفتين وتَعُود بهما إلى قصر والدهنّ - وإن شاء الله ستجد حلاًّ للتخلّص من العفريت بعد معرفة كلّ أسراره - شكرتها الأميرة وافترقن في منتصف الطريق كلّ طرف سلك مسارًا معاكسًا.. الفتيات الثلاث امتطينَ الحصان عندها همست الفتاة الكبرى في أذُنِه ببعض الكلمات غير المفهومة - كانت قد تعلّمتها من العفريت لتجعل أيّ دابّة مهما كان نوعها أو كبر حجمها أن تحلّق في السّماء دون عناء - فطار بهنّ ولوحّنَ بأيديهنّ للأميرة المذهولة لهذا المشهد العجيب.

 

رحـــــلة الأمـــل

لبست الأميرة مداسًا وانطلقت في سيرٍ حثيثٍ - رغم ثقله - يحدوها الأمل بإنقاذ الشّخص الذّي من نصيبها متجاهلة الأفكار التي داهمت رأسها وتحثّها عن العودة..

 

فهل يُعقل أن يتزوّج إنسانٌ كلبًا؟

ترى كيف ستكون هيأته؟

 

كانت تطرد هذه الأفكار المحبطة بذكر الله.. وطالت رحلتها والتعب يكاد يقتلها، تقتات من ثمار الأشجار وترتوي من مياه البحيرات التّي تُبحر فيها إلى أن تمزّقت جميع الأمدسة وعبرت جميع البحيرات وبصُرت أخيرًا بناءً ضخمًا وتَرامَى إلى مسمعها نباح كلبٍ من بعيد اهتزّت لها الأرض تحت أقدامها.

علِمت حينها أنّها نجحت في الوصول إلى هدفها فحمدت الله حمْدًا كثيرًا واستجمعت شجاعتها وأخذت في الاقتراب من البناء رويدًا رويدًا.. وجدت مَمرًّا طويلاً - على كلّ جانبٍ سُورٌ عالٍ وأملسَ - ينتهي ببابٍ خشبيّ ضخم.. وكلب أسود شرس في ضخامة الفيل رُبِط بسلاسل ذهبيّة عظيمة ينوء أقوى الرّجال بحمل واحدة منها.. كان شكله يُثير الرُّعب في النّفوس وزادت شدّة هَيَجَانِه عندما رآها يريد أن ينقضّ عليها ويلتهمها.. رجعت إلى الوراء مصدومة بهول ما رأته وأخذت في البكاء تندُب حظّها، فها هو نصيبها وقسمتها في الدنيا أمامها ينتظر افتراسها ولا يعقلها.. وراحت تفكّر في طريقة ما لتهدئته وأن يسمح لها بالدخول إلى المنزل.

 

ترى هل ستنجح الأميرة في الدخول إلى المنزل؟

وكيف لكلب شرس مثله أن يكون زوجًا لها؟

 

هذا ما سوف نعرفه في بقية أحداث قصتّنا من الأميرة والكلب ذو السلاسل السبع في جزئها الثاني… تابعونا 😊.