القائمة الرئيسية

الصفحات

تـــونس التــاريخ

 الحضارة القرطاجية


مرت البلاد التونسية بعدة مراحل تاريخيّة ساهمت في بناءها وإيصالها إلى ما هي عليه اليوم "جمهورية مستقلة" قائمة بذاتها، ويمكن حصر تلك المراحل إلى أربع تمتد من فترة ما قبل التاريخ إلى التاريخ القديم  ثمّ التاريخ الوسيط فالحديث وصولا إلى الفترة المعاصرة.

 

فبماذا تميّزت هاته الحقب الزمنية؟

وما مدى انعكاسها على تونس سياسيا واجتماعيا؟

 

كما ذكرنا سالفًا فإنّ تأسيس دولة مَا يقوم على أسس ومراحل تاريخيّة ذات حيّز زمني طويل، وهو ما مرّت به تونس ابتداءً من حقبة ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا وما تشهده من تطورات تشمل جميع الميادين.


فترة ما قبل التاريخ (10.000 – 6.000 قبل الحاضر)

مرحلة ما قبل التاريخ هي حقبة زمنية طويلة جدا، وقد سميّت بهاته التسمية لأنّها سبقت مرحلة اختراع الكتابة في مصر والعراق وقد انقسمت هذه الحقبة إلى ثلاثة عصور هي:

-         العصر الحجري القديم.

-         العصر الحجري الوسيط.

-         العصر الحجري الحديث.

وخلال هاته المراحل انبثقت الحضارة القبصية (نسبة إلى مدينة قفصة تونس حاليا) التي عرفت تطوّرا على المستوى المعيشي والديني والفنّي، وقد استقر القبصيون في المناطق الداخليّة حيث المروج ووفرة المياه وقاموا ببني الأكواخ المصنوعة من أغصان الأشجار وشكّلوا بالتّالي القرى وهو ما انعكس إيجابًا على حياتهم اليوميّة فصنعوا الأدوات الصوانية والأواني الفخارية ذات الشّكل المخروطي وتربية الدواجن وصيد الحيوانات.

وقد شمل هذا التطوّر أيضا المعتقدات الدينية (من حيث طريقة دفن الموتى لاعتقادهم بوجود حياة أخرى ما بعد الموت بوضعهم لأدوات وأواني الموتى بجانبهم في القبور)، ولا ننسى الفنون التي احتلّت مكانة هامة في حياة القبصيين فطوّروا فن التزيين والزينة من خلال صنعهم للقلائد من قشور بيض النعام، كذلك النقوشات الصخرية التي ما تزال شاهدة إلى الآن على تطور عقل الإنسان في تلك الحقبة.


  التاريخ القديم (فترة قبل الميلاد)

تميّزت هذه الفترة بظهور حضارات عديدة وتكوّن إمبراطوريات عريقة تلخّصت في:                 

الحضارة القرطاجية

تأسسّت قرطاج سنة 814 ق.م (قبل الميلاد: نسبة إلى ميلاد السيد المسيح) على يد الأميرة الفينيقية عليسة بعد هروبها من بطش أخيها وسميّت بـ "قرط حدشت" أي المدينة الجديدة، وتلتها تأسيس مستعمرات فينيقية عديدة لبسط النفوذ الجغرافي والتوسعة وقد خاضت قرطاج ثلاث حروب كبرى ضد روما سميّت بالحروب البونيقية دامت لسنوات طويلة وبرز فيها القائد القرطاجي حنبعل بذكائه ودهائه العسكري رغم هزيمته وانتهت بتدمير قرطاج كليا وسقوطها في يد الرومان.


 الإمبراطورية الرومانية

بعد سقوط العاصمة القرطاجية في يد الرومان وأصبحت مجرّد مستعمرة خاضعة للنفوذ الروماني، قام الإمبراطور أغسطس بإحيائها من جديد في أواخر القرن الأول ق.م، فأمر بتحسين البنية التحتيّة للمدينة وبناء المنازل الفخمة والبنايات العالية التي اكتسبت صبغة دينية، وتحوّلت إلى عاصمة إداريّة وفنيّة في مقاطعة أفريكا.

لكنّ فترة الإزدهار والإنتعاش الاقتصادي والثقافي التي عرفته قرطاج في عهد أغسطس لم يدم طويلاً فسرعان ما عرفت تقهقرًا نتيجة الفوضى والاضطرابات التي مرّت بها الإمبراطورية الرومانية العظيمة وسيطرة المسيحية.

 

قرطاج الونـدالية (439-534 م)

تميّزت هذه الفترة بالانتشار الواسع للديانة المسيحية على كامل شمال إفريقيا في عهد قسطنطين الأول مستغلين اضطراب الأحوال التّي تسبّبت فيها الخلافات الداخليّة ممّا ساد المدينة فوضى عارمة أضف إلى ذلك مساعدة بعض السّكان المحليين -سكان أفريكا- الطامحين إلى الاستقلال عن الحكم الروماني والتخلّص منه بشكل نهائي.

وبالرغم من انتعاشها لفترة، تعرّضت قرطاج إلى عمليّات النّهب والتدمير والحرق للكنائس والمسارح نتيجة الهجمات المتتالية التّي تعرّض لها الوندال مدّة ثماني سنوات ممّا أسفرت إلى إنهاكها وسقوط قرطاج وخضوعها لهيمنة القوى البيزنطية وانتهاء الحكم الوندالي الذي لم يتجاوز القرن من الزّمن.

 

الإمبراطورية البيزنطية

 دام الحكم البيزنطي مائة وخمسون عاما (150 عام) بسطت خلالها الإمبراطورية البيزنطية نفوذها خاصّة على المدن الساحلية التونسية، عرفت فيها قرطاج البيزنطية مرة أخرى نهضة حقيقية رغم الحروب المتواصلة لكن مع ظهور الإسلام الذي بات يهدّد التواجد البيزنطي في المنطقة خاصة من جهة الجنوب وقد تمكّن المسلمون من إلحاق الهزيمة بالجيش البيزنطي في معركة اليرموك (636) لنشر الدين الجديد في جميع أنحاء العالم.

 

 التاريخ الوسيط (698-1574)

بدأ الفتح الإسلامي بعد وفاة النبيّ محمد عليه السلام، ولم يستقرّ الإسلام في المنطقة إلا بعد فتوحات متعددة كانت أولاها بقيادة العبادلة (647) الذين أنهوا التواجد البيزنطي في شمال إفرقية بقتلهم للحاكم البيزنطي، وبالرغم من ذلك وجد المسلمون مقاومة شديدة من قبل السكان الأصليين بقيادة الكاهنة، وبعد كرّ وفرّ نجح المسلمون في السيطرة نهائيا على مدينة قرطاج بعد مقتل الكاهنة.

منذ الفتح الإسلامي فقدت قرطاج الإسلامية مركزها كعاصمة وعوّضتها مدينة القيروان التي أصبحت عاصمة لولاية إفريقية (عاصمة الأغالبة) التابعة للخلافة الأموية كذلك للخلافة العباسية وقد دام حكم الأغالبة مائة سنة عرفت خلالها المدينة ازدهارا ثقافيا وإشعاعا لا مثيل له مع تأسيس أسطول بحري لصدّ هجومات العدو.

مثّل مقتل علي بن أبي طالب نقطة انطلاق لظهور عدّة فرق من الشيعة وبمساعدة بعض القبائل البربرية تمت السيطرة على أغلب مناطق شمال إفريقيا وهزيمة الجيش الأغلبي، انطلاقا من هنا تأسست الدولة الفاطمية في تونس وحكمت البلاد لمدة 64 عاما عرفت فيه ازدهارا اقتصاديا كبيرا انعكس على الحياة الثقافية ممّا دفعهم إلى تحويل مدينة القيروان إلى عاصمة ثقافية تُعنى بالأدب والعلم، لكن تحت وطأة الغزو الهلالي انهارت الدولة الصنهاجية بعد تعرّض عاصمتها للسلب والنهب وتقسيم البلاد إلى عدّة دويلات وهيمنة الموحدّون على جميع الأراضي التونسية.

قام الموحدّون بتعيين أحد أتباعها واليا على إفريقية وقام بتأسيس الدولة الحفصية (1207-1574) رغم صغر سنّه معلنا بذلك استقلاله عنهم ونصّب نفسه سلطانا للبلاد متخذا من مدينة تونس عاصمة له، وقد شهدت البلاد خلال الحقبة الحفصيّة - التي دامت لأكثر من ثلاثة قرون - ازدهارا على مستوى الملاحة والتجارة، لكنّ صراعات الخلافة اللا متناهية أنهكت الدولة وجعلتها تمّر بفترة من الركود جعلها عرضة لغارات الأسبان الذين نجحوا في وضع البلاد تحت الحماية الإسبانية.

 

التاريخ الحديث

بعد طرد الأسبان ونفي العائلة الحفصية أحكمت الخلافة العثمانية قبضتها على شمال إفريقية - أصبحت تونس بذلك إيالة عثمانية - معلنة بذلك على بداية فترة الباشوات (1591-1574) ثمّ عهد الدايات (1591-1631) بعد حدوث انقلاب عسكري من طرف الضباط الصغار للجيش ضدّ الضباط الكبار الذين عجزوا عن السيطرة على الوضع، يليه عهد البايات المراديين (1631-1702) – الذين توارثوا الخلافة على السلطة تباعا.

وقد شهد النظام المرادي نشوب صراعات داخلية بغية الإنفراد بالحكم تسبّب في اندلاع أزمة حادة أدّت إلى التدخل الخارجي من قبل الفيالق العسكرية التابعة للإيالة الجزائرية انتهت بإزاحة المراديين من على سدّة الحكم وبداية مرحلة جديدة تتمثل في عهد البايات الحسينيين (1705-1814) وتأسيس الدولة الحسينية واتبّاع توارث السلطة مع تقليص نفوذ العسكريين الأتراك.

 

 الفــترة المعاصرة

 الحماية الفرنسية

عجزت الإيالة التونسية في عهد محمد الصادق باي في تسديد ديونها الخارجية ممّا جعل منها صيدا للقوى الأوروبية من بينها فرنسا التّي استغلت تواجدها بالتراب الجزائري لاحتلال تونس بتعلّة حماية حدودها في الجزائر لتصبح بذلك تونس مستعمرة خاضعة للحماية الفرنسية.

لم يخضع الأهالي لسياسة الاستعمار وانتفض الشعب في عدة مناسبات تمخّضت عن إنشاء الحزب الحر الدستوري الجديد بالرغم من القمع الفرنسي لنفيه للمنصف باي -محبوب الجماهير- وتعويضه بالأمين باي، لكنّ الحراك الشعبي تواصل متحدّيا الصعوبات مع ضغط الفلاقة الذين حاربوا الجنود الفرنسيون في الجبال ممّا أدّى إلى إرهاق فرنسا ودفعها إلى الإعلان عن الإستقلال الداخلي لتونس من طرف منداس فرانس. وبعد عدّة مفاوضات تحصلت تونس عن استقلالها التّام في 20 مارس 1956 وفي المقابل انتهاء فترة الحكم الاستبدادي تحت الحماية الفرنسية دام لسنوات طوال ذاق خلالها المواطنون مرارة الظلم والإستبداد.

 

 دولة الإستقلال: أول رئيس للجمهورية التونسية

الحبيب بورقيبة الزعيم النقابي أصبح أوّل رئيس للجمهورية التونسيّة ملغيًا بذلك الحكم الملكي، وقد قام بعدة إصلاحات هامة في المجتمع من بينها إصدار مجلة الأحوال الشخصية، وتوحيد القضاء، وإلزامية ومجانيّة التعليم وتعميمه.

أمّا على المستوى الإداري، فقد تمّ إلغاء القيادات وتعويضها بالولايات التي تنقسم بدورها إلى معتمديات، وتونسة الأمن القومي وبعث الجيش، وتتالت الإصلاحات في عهد بورقيبة التّي شملت كلّ الميادين، لكن في أوائل الثمانينات ارتفعت قيمة الدولار مقابل تراجع سعر الفسفاط والمحرقات ممّا أنعكس سلبًا على الحياة الاجتماعية خاصّة بعد مضاعفة سعر الخبز سنة 1984.

وبالرغم من إقالة المزالي إلا أنّ الوضع الاقتصادي ازداد سوءًا رغم محاولة الدولة القيام بإجراءات من شأنها أن تخفّض من قيمة الدينار، وفي ظل هذه الظروف برز زين العابدين بن علي  الذي أصبح وزيرا للداخلية.

 

زين العابدين بن علي: الرئيس الثاني للجمهورية التونسية

إثر تدهور صحة الزعيم الحبيب بورقيبة – البالغ من العمر 87 سنة - والذي بات عاجزا عن القيام بمهامه كرئيسا للجمهورية التونسية وبقي تحت الإقامة الجبرية في منزله الكائن بمرناق، وقد استند زين العابدين بن علي إلى الفصل 57 من الدستور تمكنّ من إزاحته ويعلن اعتلاءه إلى سدّة الحكم ليصبح بذلك ثاني رئيس للجمهورية التونسية بعد الاستقلال في السابع من نوفمبر لسنة 1987 وتواصل حكمه مدة 23 سنة متتالية (1987-2009)، حكم البلاد بقبضة من حديد وقد تمّ نفيه بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي آلت إلى نفيه بالمملكة العربية السعودية وموته هناك بعد صراع طويل مع المرض، لتدخل من بعده تونس في فترة تاريخية جديدة سميّت بالثورة التونسية.

 

 


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع