رسالة إلى أولئك الذين هُـمِّشتْ وكُسرت قلوبهم من كلام النّاس..
فلجئوا إلى أزّقة الظلام هربًا من لدغات ألسنتهم السامّة ونظرات أعينهم القاسية..
وصاروا يتمنّون الموت بدل سماع تلك الكلمات التي تُغرس في القلب مثل الخناجر..
وأصبحوا انطوائيين يتعرفّون على الغير خلسة خجلاً من تنالهم سهام الشفاه القاسية..
إلى هؤلاء لا تأبَهوا بكلام الناعقين.
يا معشر النّاس..
ارحموا قلوب غيركم واجبروها ولا تكونوا وحوشًا هائجة تنهش لحومها بكلماتكم الجارح..
فلقد أنهكتهم هموم ومشاكل الحياة..
فلا تتسلّطوا عليهم بألسنتكم التي لا ترحم..
ولا تضيفوا همًّا عن همّ ووجعًا على وجع.
لا تجعلوا منهم أُناسٍ منزويين يجلسون في تلك الزاوية المظلمة والمعتمة دون حراك..
يسترقون النظر إلى السّماء بعيون دامعة وتنهدّات عميقة ومتتابعة تحرق الصدور،
وصوت ذا غصّة ثائر لا يتجاوز الشفاه:
"ظلمتُ وكُسِرتُ يا الله... فأين أنت؟؟"
والدمع يتساقط دون توقّف، مع وجدان يتمزّق وقلب يحترق.
"فأين نصرك يا رب؟ ... أين أنت يا ربّ؟".
"أريد نصرك وتمكينك".
فكم من إنسان كُسر قلبه بكلمة نُطقتْ عن قصدٍ أو بدون قصد وتمنّى أن تنشّق الأرض وتبتلعه حينها..
وكم من امرأة أُسِيئتْ معاملتها من زوجها فطُـلقت وهُمِّشت وأُخذ منها أبناءها عنوة..
فلا تكونوا قُساة جفاء وكفوا عن ظلمكم للنّاس ولا تدفعوا بهم إلى الهاوية..
لا تدفعوا بهم إلى رفع مظلمتهم عند الله صارخين:
اللهم إنّي مغلوب فانتصر
ويُصبح حينها الله ذا السلطان والجبروت هو غريمكم..
فاتقوا الله في عباده واجبروا قلوب الناس..
واعلموا أنّ جبر القلوب من أعظم العبادات عند الله سبحانه وتعالى..
وتذّكروا أنّ من جبر قلب مكسور سيجبر رب الكون قلبه عند انكساره في يوم من الأيام..
لا
تتوانوا في القيام بهاته العبادة عن طيبة قلب ونيّة حسنة.
فجبر القلوب يا سّادة..
يكون بكلمة طيبة رقيقة..
أو بابتسامة أو بلمسة يد حانية تنفض غبار خيبة الأمل..
وتخفّف من وجع القلب المكظوم.
عندما تُـواسي من كُسر قلبه بكلمات لطيفة وتكون سندًا لمن ضاقت به الدنيا من كلام النّاس..
كلام النّاس يجعل منه إنسانًا تائهًا يُمسك نفسه بصعوبة من التعب.
فكلماتكم الجارحة تجعل من النّاس أشخاصا كُسالى ضعفاء..
فَكونوا بصيص أمل كشمعة تضيء عَتَمة قلوبهم ويدفعهم إلى الخروج من قوقعتهم..
ويصبحوا أُناسِ مثابرين يشقّون الصخر دون خوف.
فرعون
الطاغية الذي تكبّر وتجبّر وادّعى الألوهية ورغم ذلك أمر الله نبيّه موسى بمخاطبته
بكلمات رقيقة ولينة لتكون ذا وقعٍ وتأثير على قلب فرعون الكافر.
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
لذلك سدّدوا وقاربوا..
وكونوا بشُوشي الوجه مبتسمين..
وانتقوا كلماتكم عند مخاطبة بعضكم البعض.
فالكلمة الطيبة صدقة كما ورد عن رسول الله..
وتجلب المحبّة فمن لانَت كلمته وَجَبَتْ محبّـته..
أسعدوا بعضكم البعض وآنسوا بعضكم البعض.
وتذكروا دوما بأنّ من جبر قلب غيره سيجبر الله قلبه ولو بعد حين..
لذلك أحسنوا معاملة النّاس يكافئكم الله في الدنيا والآخرة..
فهذه قاعدة إلاهية وضعها الله عز وجل شأنه في كتابه.
لهذا اعملوا الخير وضعوه بين يدي ربّـكم والله فلن يضيّع أعمالكم..
وكونوا
ممّن كسبوا القلوب ولم يكسروها.
هَلْ جَزَاءُ الإٍحْسَانُ إِلاَّ الإٍحْسَان.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا لمشاركتنا الرأي وتشجيعنا على الإستمرار.