انت الشافي يا رب
مـــــرحلة اكتـــــشافي للــــمـرض
يُـعدّ مرض السرطان من الأمراض الخبيثة التي تنمو داخل جسم الإنسان في صمت مسبّبة في أحيان كثيرة الوفاة لصاحبها في حال لم يكتشفه في مرحلة مبكّرة ولم يعالجه فقد أصبح هذا المرض يحتّل المراتب الأولى من حيث الإنتشار الجغرافي ويصيب كلّ الفئات العمريّة الكبار والصغار على حدّ السواء، وفي هذا المقال أردت مشاركتكم تجربتي مع المرض بتفاصيلها والحديث عن طريقة تعاملي معه وطبيعة علاقتي مع عائلتي أثناء فترة العلاج.
بدأت رحلتي مع المرض على ما يناهز السّنة وتحديدا منذ شهر آذار (مارس) الفارط وذلك بعد اكتشافي بوجود كتلة ورم في ثديي الأيسر، فأسرعت إلى مركز التصوير الطبي وأجريت صورة إشعاعية وهناك تفاجأت بحجم كتلة الورم فلم أتأخّر في ذهابي إلى المشفى بالعاصمة حيث أجريت خزعتين لتحديد نوع هاته الكتلة الدخيلة في جسمي ليتبيّن فيما بعد بأنّه ورم سرطاني خبيث، وبعد خضوعي لعدّة تحاليل وصور إشعاعيّة إضافية تقرّر من خلالها جدولة الجرعات الكيميائية الواجب تلقّيها من حيث العدد وموعد إجرائها والمدّة الزمنيّة التي تفصل بين كلّ جرعة وأخرى وما يسبقها من تحاليل جديدة.
علاقـــتي مع عائلـــتي أثــــناء الـــــمرض
كان الجميع من المحيطين بي من عائلتي وأقاربي وحتّى الطبيب المباشر لحالتي يتوقّعون إنهياري بقدوم هذا الزائر غير المرّحب به الذّي يخفي في طيّاته الحدّة والشّراسة، لكنّني اٌلتزمت الصّمت لِـيقيني الشّديد بأنّه إبتلاء من الله وأنّه مجرّد إمتحان لا سيّما وأنّ الحياة ما هي إلاّ مدرسة نُمتحن فيها بٱستمرار ويُختبر فيها مدى صبرنا على البلاء إذا حلّ بنا. فلعلّني حين أصبر وأحتسب سوف يُخفَّف ذنبي وكيف لا أصبر وأنا أعلم أنّ الصبر مفتاح للفرج لذلك قررّتُ أن لا أعبس وأن لا أحزن واُعتبرت أنّ مرضي لا يغدو أن يكون واحدا من آلاف الأمراض الأخرى السّائدة حتّى أنّه هنالك أمراض أخطر منه بكثير، على عكس المحيطين بي الذّي كان وقع الصدمة كبير عليهم فتغيّرت معاملتهم لي تغيّرا كليّا وأصبحوا حذرين حتّى في كلامهم معي ويبالغون في الإهتمام بي والخوف عليّ حتّى نظراتهم اصطبغت بالشفقة وكأنّني على وشك الرّحيل، وكانت نظراتهم تهّـدُ كاهلي فحذّرتهم بالكفّ عن ذلك لأنّه يزيد من حالتي سوءا فمرضي ليس نهاية العالم ما دامت توجد طريقة لعلاجه، فكم كنت أمقُتُ تلك النّظرات.
وبالرّغم من ذلك كلّه لم تُحبط عزيمتي فزاد إصراري على التشبّث بالحياة وضرورة المقاومة خاصّة خلال تلقّي جرعات الكيميائي الثّقيلة والمنهكة فقرّرت الذهاب إلى المشفى بمفردي دون إخبار أحد خشية إزعاجهم لقد كان هذا التصرّف اختياريا نابعًا من داخلي ولست مجبرة عليه حتّى يتسنّى لي التعايش مع هذا المرض اللّعين، ومرّت الأيّام والشّهور ثقيلة كثقل مرضي هذا وكـأنّها تـتعمّد التباطؤ، فلم يتوانى المرض على نهش جسدي بشّراسة مغيّرا شكل ملامح وجهي إلى وجه آخر أُنكره فصار غير محبّب لِمَا عَـرِفه من تغيّر في اللون فأصبح شاحبًا مائلاً إلى الزُّرقة وأقرب منه إلى السّواد، فكيف لي أن لا أُنْـكر هذا الوجه الجديد الذّي حلّ -ولو وقتيّا- مكان الآخر المألوف الذي تعودّتُ على رؤيته كلّ يوم في المرآة، لقد تساقط شعر رأسي برمّته وتهاوت رُموش عيني وحواجبي في سلاسة فهي مُجبرة على الفراق.
لقد كانت الجرعة التّي أتلقاها كلّ عشرون يوما تحرق كامل أعضاء جسمي من الدّاخل مثل السّيلان الجارف الذي يجرف كلّ ما يعترض طريقه من أخضرٍ ويابسٍ، أمّا رائحة الشّواء فقد كانت تملأ أنفي دومًا وتُلاحق أنفاسي ملاحقة لصيقة دون كللٍ أو مللٍ فكم كانت حقًّا مزعجة وبشّكل كبير أيضا، فكلّما خَـبتْ قـوّتي وشعرت بالضّعف يتسلّل إليّ أجْـترّ آلامي في صمت خشية أن يسمعني أحد وهو ما يدفعني إلى التمسّك بحبل الله أكثر فأكثر -ذاك الحبل المتّين الذّي لا ينقطع- وأتذّكر الوعد الذّي قطعته على نفسي ألا وهو الصمود ولا شيء غير الصمود، فكنت أذّكِر نفسي بأنّني من "المختارين" حتّى أُبتليت بهذا المرض وأنّه رسالة حبّ وطمأنة من الله فأخجل من سخطي وقلّة صبري، فلقد متّعني الله بعافية الجسّد سنين طوال أمّا وقد مسّني الضُـرّ اُشتكيتْ وتعاليتُ، فتوقّـفي أيتها النّفس الجاحدة لنعم الله وكُـلفِ عن الشّـكوى واُطلبي العون منه وحده، حتّى إذا جاء اليوم الموعود -موعد إجراء العمليّة الجراحيّة والتّي دامت لأكثر من أربع ساعات- جاء الفرج وكُـلّلت العمليّة بالنّجاح -ولله الحمد- وتمّ اُستئصال المرض ولم يتبقّـى منه سوى آثار بسيطة ضلّت مروسومة على جسدي كالوشّم.
فـــــترة مــــا بـعد الــــــعلاج
كم كانت فرحتي عارمة عندما علمت بأنّ الأطباء لم يستأصلوا كامل الثّدي وحافظوا على شكله لأنّني لم أكن مستعّدة لذلك نظرا لتوالي الأحداث سريعًا وانهماكي في مشاغل الحياة فلم أجد وقتا حتّى في التفكير في مرضي وكيف ستكون النّهاية فكلّما خطرت ببالي فكرة استئصال الثدي بأكمله أطردها سريعا وأشغل نفسي بممارسة هواياتي التّي كانت بمثابة المتنفّس لي، فنجاح العمليّة ما زاد في حبّي لله وعـظُم اُمتناني له لأنّه سمع مناجاتي وراعى خوفي رغم تقصيري الكبير في عبادته -كسلاً منّي وليس إنكارًا- فسُبحانك ربّي ما أعظمك لقد جبرت كسر قلبي وروحي، ها أنا اليوم في صحّة جيّدة -بالرّغم من بعض التعكّرات الجسديّة من تعب وإرهاق خفيفين وفي أحيان أخرى مزعجة ومؤلمة لما يخلّفه العلاج الكيميائي- وها أنا اليوم أتعافى تدريجيّا من المرض وجسمي في طور الترميم والتجدّد، فها هو شعر رأسي ينمو مجدّدا وأحاطت بعض الرّموش جفناي ونبتت بعض الشّعيرات في حاجبي، فلك الشّكر يا الله يا من جعلت لخاطري نصيب.
نــــصيحة لــكلّ مريـــــض
لكلّ شخص أصيب بهذا المرض اللّعين أسوق إليك نصيحة من القلب من شخص محبّ -مرّ بنفس تجربتك المرضية بكلّ مراحلها وطرق العلاج المتبّع من جرعات الكيميائي المقيتة وصولا إلى حصص الأشّعة المسترسلة زد على ذلك الإنهاك النّاجم عن الحالة النفسيّة المتقلبّة بين الحين والآخر- فتقبّلها منّي لعلّها تكون سبيلا لنجاتك خاصّة النّسوة اللواتي يتعرضّن لهذا المرض بنسب كبيرة لعلّ أهمّ نصيحة هي الكشف المبكّرعن طريق الفحص الذاتي للثدي وضرورة مراجعة الطبيب المختص في حال تغيّر في الشّكل أو ظهور كتلٍ غريبة، كما يمكنك سماع تلك النصيحة شفاهيا من هنا.
وفي صورة الإصابة بالمرض على المريض تهدئة روعه وعدم الذّعر والتحلّى بقوّة الإرادة لأنّها وحدها الكفيلة التّي تحافظ على بقاء معنوياتك مرتفعة دوما وبالتّالي تدعم مناعة جسمك فتقوّيها وتجعلها قادرة على تخفيف آلامك ومجابهة صعوبات مرضك كيف لا فهي تُـعتبر نصف العلاج، فلا تسمح للذّعر وللخوف بالسّيطرة عليك لأنّه سوف يزيد من تفاقم مرضك وتذكّر دائما بأنّه إبتلاء من الله فكن صابرا متوكّـلا عليه لأنّـه على جبر الخواطر كريم.
فكـل مكسور سيُجبر... لا يترك الله قلبًا يُرفرف تحت سمائه شائعًا دون ملجأ.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا لمشاركتنا الرأي وتشجيعنا على الإستمرار.