القائمة الرئيسية

الصفحات

الــــــــــخوف

 
الخوف


خلق الله الإنسان على الفطرة ونفخ فيه من روحه وبثّ فيه ثنائيّات وأضداد كالخير والشّر، الحزن والفرح، الخوف والطمأنينة... ومن بينها سنتطرّق إلى مصطلح الخوف ونغوص في معانيه حتى نستطيع فهم هذا الشّعور الطاغي على حياتنا وكيفيّة التعامل معه.


فما معنى الخوف؟ 

وما هي مخلّفاته وآثاره السلبيّة على حياة الإنسان؟

 وما هي طرق معالجته إن وجدت طبعا؟ 


ما معنى الـــــخوف

     كبداية سننطلق بتعريف الخوف ونستطيع القول بأنّه ٱنفعال في النّفس يحدث لتوقّع مكروه، فتلك العبارة "الخوف" في حدّ ذاتها تبعث عن القلق فهي عبارة غير محبّبة عند نطقها، وبما أنّ الخوف شعور فطريّ يُخلق مع الإنسان ويلازمه كظلّه -هو وسائر المخلوقات على هذه البسيطة- تجده يشعر بالخوف عند مواجهة أحداث ليس معتادا عليها، ومهما بلغت شجاعته فلا بدّ أن يتزعزع كيانه ويعايش هذا الإحساس. وللخوف أنواع خمسة رئيسيّة فهناك الخوف من الموت، الخوف من التعرّض لضرر جسديّ، الخوف من موت الأنا، الخوف من السّيطرة على ظروف خارجة عن إرادته وأخيرا الخوف من الفصل والإنفصال، وسوف نتطرّق إليها كلاّ على حدى بشكل مبسّط حتّى يتسنّى لنا فهمها.


 الخوف من الموت 

  بمجرّد ذكر عبارة الموت نرتجف ونرتعب ونشعر بالضّيق، فالموت يعني النّهاية، الظّلام، الوحدة والوحشة وكوننا بشرًا فإنّنا مجبولون على حبّ البقاء والتعلّق بالحياة وتمنّي الخلود -حتّى أبانا آدم عصى ربّه عندما أغواه الشّيطان بفكرة الخلود- فالموت يعني مفارقة الحياة والأصدقاء، والإنقطاع عن الحياة وملذّاتها، والرّحيل إلى المجهول والعدم، وجهل المستقّر عند مغادرة الروح للجسد، لذلك لا نرغب في الحدّيث عن الموت كثيرا لأنّه يولّد فينا شعورا مزعجا ومقلقا.


 الخوف من التعرّض لضرر جسديّ 

    بمعنى كلّ شيء ينجم عنه إحساس بالألم الملموس سواء كان عنفا (إعتداء كالسّرقة أو الإغتصاب) أو حادثا (حادث سير أو عمل) يسبّب لهم عاهة أو إعاقة، أو مرض يصيب الإنسان لذلك يهتّم بأكله ونظافة جسده لتجنّب الأمراض، كذلك يخشى استخدام المواد الكيميائية أو البيولوجية القادرة على إلحاق ضرر جسدي تصيبه على المدى المتوسّط أو البعيد (مثل التشوّهات، الأمراض السرطانيّة أو العقم)، ولا يقتصر التعرّض للضرر على الإنسان فقط بل يشمل المؤسّسات خاصّة كانت أو حكوميّة وذلك باُستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات القادرة على اختراق أنظمة معلوماتها وقرصنتها وهو ما يؤدي إلى نتائج وخيمة، لذلك سنّ المشرّع قوانين تجرّم العنف ضدّ الإنسان التي تلحق به الأذى وأخرى تضرّ الممتلكات الخاصّة والعامّة.


 الــخوف من موت الذات أو الأنا                                                                                         

     هو في حدّ ذاته موضوع قائم بنفسه ومتشعّب، لأنّه موت رمزيّ وليس حدثا مؤلما جسديّا وحتّى نفهم أكثر الذّات البشريّة علينا التطرّق إلى الوظيفة التي تضطلع بها وأهميتّها في حياتنا، فيمكننا القول بأنّ هذه الذات هي وسيط بين الواقع والهويّة لأنّها تشمل كلّ رغباتنا الغريزيّة القابعة داخلنا (كالجوع، النّوم، الحاجيات الجنسيّة...)، فالأنا (أو الذات) تلعب دورا مهمًّا في مساعدة الفرد على التمييز بين ما هو خطأ وما هو صواب. وحتى نختصر الكلام يجب علينا عدم الخوف من موت الأنا لأنّه ليس عدوّا لنا كما نظنّ ووجب علينا مسايرة هذا الموت الرمزيّ وعدم مقاومته حتى نتعلّم إيجاد أرواحنا الحقيقيّة والإنتقال للعيش من مستوى مختلف إلى آخر أرقى وأسمى أي أنّ "موت الأنا" هو من يدفعنا إلى التحسين من جودة حياتنا وتغييرها إلى حال أفضل بدل الوجود في مستوى "نحن على قيد الحياة" وأن لا نبقى دون إضافة في المجتمع، فعندما تموت الأنا ترتقي الروح وبالتّالي ترتقي أجسادنا وهو ما ينعكس إيجابيّا على نفسيتّنا فنقوم بتأدية وظائفنا بشّكل أحسن من قبل.

      كذلك تستخدم موت الأنا كأداة لتغيير معتقداتنا وتصرّفاتنا اللامسؤولة وتسمح لنا بالإنتقال من شخصنة الأمور إلى التوسّع والتمدّد، فنستطيع النظر إلى أشياء من زاوية مختلفة أرحب وأوسع من تلك القديمة، فبمقاومتنا لهذا  الموت (موت الذات) سوف ندخل في اكتئاب طويل ونعرّض أنفسنا لنوبات قلق ومشاكل نفسيّة نحن في غنًى عنها، وهو ما يدفعنا إلى تضخيمها حتّى وإن كانت بسيطة فنغرق في بئر عميقة من مشاعر لا نعرف الخروج منها، عندها توجّب علينا ضرورة اللجوء إلى مختصّين لتقديم المساعدة على تحقيق موت الأنا الأرضيّة التي طالما حجزت حريتّنا وأبقتنا محصورين في نقطة محدّدة وتمنعنا من معرفة هويتّنا الحقيقيّة والولوج إلى سّمات الروح الموجودة داخلنا وبالتالي إيجاد أجوبة مقنعة لأسئلتنا الوجوديّة التي طالما أرهقتنا (من نحن؟ من أنتم؟).


 الخوف من السّيطرة على ظروف خارجة عن إرادته 

      مثلا "رُهاب السّاح" فهنالك أناس يذعورون عند الخروج إلى الشّارع والإبتعاد عن المنزل فإذا اضطرّوا لذلك توجّب عليهم وجود مرافق لهم لأنّهم ببساطة يتجنّبون المناطق المغلقة والمزدحمة كالأسواق وخاصّة منها وسائل النّقل لكي لا يحتكوا بالآخرين قدر الإمكان ودائما تجد الخوف مسيطر على عقولهم مسبّبا لهم فوبيا وقلقا متواصلا من أن تباغتهم نوبة هلع في مكان ما أو يحدث لهم شيء مرعبا يفقدون فيه السيطرة على أنفسهم لذلك يعتقدون بأنَ المكوث في البيت أأمن بكثير من الشارع وهذا يمنعهم من ممارسة حياتهم بشّكل عاديّ. كذلك هنالك الخوف من الإلتزام بمعنى أوضح الخوف من الزّواج عند حدوث علاقة، فرُهاب الإلتزام هي عبارة عن كتلة من مشّاعر الخوف التي تتملّك الإنسان خاصّة إذا مرّ بفترة عزوبيّة طويلة، فتجده يعتريه القلق عند طرح هذه الفكرة ومخاوف المسؤوليّة طويلة الأمد.

     وللتوضيح أكثر نضرب مثل شّاب (أو فتاة)عاش فترة طويلة وهو أعزب وتعوّد على نمط حياة وسلوكيّات معيّنة وعندما يقرّر الزواج ينتابه القلق فيتشوّش عقله وتترسّخ في ذهنه بأنّ فكرة الزواج فكرة سيّئة وجب تجنبّها ورفضها لأنّه يظنّ بأنّ الحريّة المطلقة التي كان يتمتّع بها سوف تُسلب منه وأنّ متطلبات الزّواج اللا متناهية والمتعبة سوف تكبّله وتمنعه من الإستمتاع بحياته بشّكل أفضل لذلك تراه يخاف من الإرتباط الطويل فهذا الخوف اللا مبرّر سيزيد من تفاقم حالة الرّهاب لديه إلى درجات أعلى وتحوّله إلى "فوبيا الزّواج" فتتعمّق داخله مشّاعر الخوف أكثر فأكثر خاصّة إذا كان قد مرّ سابقا بتجارب عاطفيّة فاشلة فتجده حذرا بشّكل مبالغ فيه عند دخوله في تجربة جديدة.


 الخوف من الفصل والإنفصال 

     فمثلا يخشى التلميذ أو الطالب الفّشل في الدّراسة والرّسوب في الإمتحانات فتُسيطر عليه المشاعر السلبيّة والتّي هو في غنى عنها فتُفقده التركيز في الإمتحان ويحصد بالتّالي فشلا ذريعا تعمّق إحباطه لأنّه كان وحده المسؤول لوصوله إلى هذه الحالة المُزرية التّي كان بالمُستطاع تجنّبها بكلّ بساطة ما دام أنّه اجتهد في دراسّته وأن لا يضيّع فرصة النّجاح التي ستمكنّه من صنع مستقبل جميل لنفسه، كذلك هناك من يخشى الطرد من العمل حتّى أنّ الوساوس والتخيّلات تلازمه كظلّه فتسيطر عليه مشاعر الخوف فيبقى متردّدا في اتخاذ أيّ قرار، ويمنعنه من خلق أفكار إبداعيّة وتقديم أفضل ما لديه في العمل، فالخوف المستّمر يقتل الإلهام والإبداع لذلك توجّب علينا التوقّف عن التفكير بتشاؤم وجذب الأفكار السلبيّة المحبطة للعزيمة لأنّ ما كنّا نخشاه سوف يتحقّق حتما، وحتّى إن طردنا من العمل فلن تكون نهاية العالم ولن تتوقّف حياتنا بل سيكون حافزا للسّعي الدائم في البحث عن وظيفة جديدة وأنّه سوف نجد فرصا أكبر في الإنتظار، فلا داعي للمبالغة في الخوف من الفصل من الوظيفة لأنّه حقيقة مضيعة للوقت وهدرا للطاقة.

     أمّا قلق الإنفصال فهو مشكلة شّائعة عند الصّغار والكبار على حدّ السّواء، فهو يصيب الصّغار خاصّة في فترة البلوغ وقد يكون وقتيّا أو ملازما في بعض الأحيان، ففترة البلوغ فترة مهّمة في حياتنا وهي عبارة عن تغيّرات جسديّة تصيب الجسم وينضج الإنسان ليصبح بالغا، فيظنّ الطفل أنّه بمجرّد انتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والتغيّر الحاصل في شّكل جسده - من طول وعرض – يجعل منه شخصا كبيرا بالغا ومسئولا وقادرا على تحمّل نتائج تصرّفاته لذلك تكون رغبته الملحّة إلى التحرّر المطلق من كلّ القيود شديدة - حسب رأيه طبعا - فيرفض البقاء خاضعا تحت رقابة الوالدين أو تحت طائلة الإنتقاد لسلوكيّاتهم.

    أمّا الكبار وخاصّة منهم أولئك المتقدّمون في السّن فهم الشّريحة الأكثر تعرّضا لهذا القلق – لذلك توجّب علينا الأهتمام بهم أكثر وعدم تركهم لوحدهم - وذلك عند فقدانهم لشريك حياتهم أو الطلاق، فهذا الإنفصال يكون سببا رئيسيّا في تفاقم قلقهم خاصّة إذا كان مرفوقا بأمراض نفسيّة أخرى سابقة كاُضطرابات ثنائيّ القطب الذّي يُصعّب عليهم ممارسة حياتهم بشكل سليم وتتحوّل إلى فوضى، فتسوء حالتهم ويتطوّر هذا القلق إلى قلق مرضيّ ينتج عنه اضطرابات نفسيّة أخرى تدفعهم إلى القيام بأمور قد تضرّ بصحتّهم مثل المخدّرات والكحول وتنتهي بهم رحلة المعاناة إلى تعرّضهم لنوبات من الذعر توصلهم حتما إلى السّقوط في مستنقع الاكتئاب الشّديد الذّي ينعكس سلبا على علاقاتهم الإجتماعيّة فيتجنّبون مخالطة النّاس وينسحبون من المجتمع وينعزلون وهو ما يسّمى بالرّهاب الإجتماعي.

     وقد اعتمد المختصّين طرقا عدّة لمعالجة مرضاهم ومساعدتهم على تجاوز محنتهم هذه -عندما يشعورن بالعجز تجاه مشاكلهم -ومن بين هذه التقنيات المبتكرة نذكر تقنية النوم بالإيحاء، تقنية التحرّر الذاتي، تقنية حرق المعتقدات، تقنية البرمجة اللغويّة العصبيّة وتقنية الهوبونوبونو لتنظيف الذات من المشاعر السلبيّة. وبما أنّ الخوف هو مجرّد إحساس غير ملموس علينا أن لا نضخمّه ونخصّص له مكانا في حياتنا فاستسلامنا له يجعل منّا عبيدا وتتحكّم فينا وساوسنا فيُصبح جزءا منّا، لذلك توجّب علينا التحلّي بالإتّزان والعقلانيّة وعدم المغالاة في خوفنا من أيّ مشكلة تقتحم حياتنا وبما أنّنا لا نستطيع العيش بدون هذه الثنائيّة (المشاعر السلبيّة وتلك الإيجابيّة) توجّب علينا الجمع والموازنة بينها فكبت المشاعر يُعرّضنا حتما لنتائج غير محمودة مثل الوسواس القهرّي ونوبات هلع لعدم تحملّنا لمخاوفنا وعدم القدرة على مواجهتها فنسمح بذلك لسيطرة القلق علينا ومعاناة وساوس لا متناهية تجعلنا دائما في انتظار حدوث أشياء سيّئة قد لا تحدث أبدا، فتصبح الأفكار السلبيّة السّمة أو الصفة الطاغية على حياتنا ونحرم أنفسنا من عيش يومنا، لأنّه ببساطة تحوّل خوفنا من خوف صحيّ إلى خوف مرضيّ.


الخلاصة

    صحيح أنّه وجب علينا الخوف في مسائل معيّنة لكن يجب أن يكون هذا الخوف في حدود درجة معينّة لأنه يخلصّنا من القلق ويحرّر طاقتنا وعقولنا من المعتقدات السّائدة المكبّلة للذات ويدفع بنا إلى إنطلاقة جديدة تحببّنا في الحياة وعيشها بشّكل صحيح، هنا يكون خوفنا خوف صحيّ بمعنى أوضح ليس عدّوا لنا وليس هادما لذاتنا ومحبطا لعزيمتنا فالخوف الوحيد المحمود هو الخوف من الله سبحانه –بما أنّه الرّقيب على أفعالنا – فعندما نشعر بالخوف لا بدّ من الإلتجاء بالله ومناجاته فتزول جميع مخاوفنا لأنّها مجرّد أفكار زرعناها في عقولنا، فلكلّ مشكل حلّ ولا داعي إلى تعقيد حياتنا وعيشها بسلبياتها وإيجابياتها وأن نجعل نُصب أعيننا بأنّ الخوف من الله هو بمثابة الضوء الذّي يُنير دربنا إلى طريق الهُدى والصلاح الذّي يحدّد لنا ما هو الخطأ وما هو الصّواب، فهو باختصار هو مفتاح النجاة .

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع