القائمة الرئيسية

الصفحات

خــرافة: يــوسف المسحور المدفون في ســبعة قــبور: الجزء الثاني

 

 يــوسف المسحور المدفون في ســبعة قــبور
الجــزء
الثاني


رحلة الأميرة الكبرى


سبب هروب الأمير

كما ذكرنا سالِفًا في الجزء الأوّل من خرافة "يوسف المسحور المدفون بين سبعة قبور"أنّ الأمير تزوّج أخيرا بنت السلطان الصغرى بعد ليلة مرعبة وصعبة، ومرّت عدّة أشهر على عودته إلى بلاده التي لا تبعد كثيرا عن مملكة السلطان.

اقترحت الأميرة الكبرى على أبيها السلطان بأن يسمح لها وأختها الوسطى بزيارة العروس والمكوث عندها بضعة أيّام حتّى تُزيلاَ الشوق، وافق السّلطان واشترط أن ترافقهم المربيّة وبعض الحراس لحمايتهنّ من خطر الطريق.

بعد مسير أربعة أيّام وصل موكب الأميرتان قصر العروس التّي فرحت كثيرا برؤيتهما، وقَضَيْنَ كامل الوقت في السّمر واسترجاع ذكريات الطفولة وبعض الطرائف حتّى بلغ بهنّ الحديث إلى تلك الليلة المشئومة ، ليلة هروب الأمير وإلى الآن لم يعْرفْن ما حدث ليلتها ثمّ واصلنَ تجاذب أطراف الحديث في مواضيع أخرى لم تخلو من الضحك.

مرّت أيام الضيافة بسرعة، وتردّدت الأخت الكبرى كثيرا لكنّها استجمعت شجاعتها وهمست للعروس بأن تعرف من زوجها السبب الذي دفعه إلى التراجع عن الزّواج بها.. فقد كانت تخشى أن يكون قد سمع عنها شيئا يُسيء إليها.. وافقت العروس بعد ما ترجّتها أختها كثيرًا ووعدتها بأن تلبّي رغبتها.

كان موعد الرّحيل في الغد، تعانقت الأخوات وذرفنَ الدموع، وقبل أن ينطلق الموكب جذبت العروس أختها الكبرى وأخبرتها في همسٍ بقصة العفريت الذي وقف أمامه ومنعه من الدخول إلى غرفتها، وأنّه كتم الأمر خشية أن لا يُصدقّه أحد، اندهشت الأخت الكبرى خاصّة بعد ما سمعت جملة العفريت:

هذه الأميرة هي من نصيب يوسف المسحور المدفون بين سبعة قبور.

تظاهرت الأميرة بعدم الاكتراث لكن في حقيقة الأمر انتابها الفضول لمعرفة من هذا المدعو يوسف؟..  ولماذا سُحِرَ ودُفِنَ؟.. ومن الذي قام بدفنه؟..، ثمّ ودّعت أختها وغادرنَ قصر الأمير.

 

رحيل الأميرة الكبرى

كان كلام العفريت - الذّي نقلته أختها عن لسان زوجها - لا يزال راسخًا في ذهنها، والفضول يكاد يقتلها لذلك قرّرت السّفر للبحث عنه في حال كان العفريت صادقًا، أخبرت أختها ومربّيتها عن قرارها وطلبت منهما أن يُساعداها على تخطّي الحرّاس وأن تُخبِرَا السّلطان بعد اكتشاف هروبها بمدى حبّها واحترامها الكبير له وأن يغفر لها رحيلها دون علمه فربّما لن تستطيع العودة.

لم تنجح أختها والمربيّة في إقناعها لِلْعُدول عن قرارها، فأحضرت لها المربيّة بعض الملابس الرجالية وبعض الزّاد من ماء وطعام يكفيها عدّة أيّام إذا اقتصدت في الأكل.. وقبل أن تغادر القصر طلبت من أختها أن تنتظرها مدّة سنة فقط إن لم تعد، عليها بالذّهاب إلى قصر أختها الصغرى وتعرف من زوجها سبب هروبه تلك الليلة المشئومة لعلّ هناك من ينتظر قدومها وهو لا يستطيع المجيء إليها.. مع بزوغ الفجر تنكّرت الأميرة الكبرى في ملابس الرّجال وودّعت أختها والمربيّة وتسلّلت حتّى تجاوزت أسوار القصر وامتطت حصانها وانطلقت تسابق الريح تبحث عن نصيبها.

 

قصــر العفريت

لم تتوقّف الأميرة حتّى ضمنت ابتعادها عن قصر والدها بمسيرة يومين، وكانت كلّما مرّت بقرية تتزوّد بالأكل  والماء وتسأل النّاس عن يوسف المسحور دون جدوى وطالت رحلتها إلى أن وصلت إلى أرض واسعة تحيطها أشجار الصنوبر الشامخة، كان المكان يتّصف بالجمال وإبداع الخالق، غير أنّه مهجور وموحش.

نال منها التّعب فنزلت عن صهوة حصانها وربطت لِجامه في إحدى الأشجار وتركته يأكل الكلأ.. بينما اتكأت هي على جذع شجرة قريبة منه تلتقط أنفاسها.. أحسّت بالجوع فلم يكن لديها ما تأكل فأخذت تجول بناظريها في أرجاء المكان لعلّها تجد شجرة مثمرة تقتات على ثمارها.

لاحظت من بعيد لَمَعَانَ شيءٍ عكسته أشعّة الشّمس، فأسرعتْ الخطى في اُتّجاهه، فرأت صخرة من رخام مسحتها فعكست صورتها.. تأمّلت وجهها قائلة في تحسّر:

لا زلتُ حسناء جميلة.. لكنّ الحظ لم يُحالفني

فاُنبعث صوت جوهريّ من تحت الصخرة الرخاميّة قائلا:

ارفعني تجد ضالتّك 

ارتعبت الأميرة وتراجعت إلى الوراء وهمّت بالهروب، لكنّها تذكّرت سبب مجيئها فاُستجمعت شجاعتها وعادت إلى الصخرة وذكرت الله ثمّ أخذت في تحريكها يمنةً ويسرةً حتّى استطاعت إزاحتها جانبًا.. رأت درجًا فنزلت درجاته في حذرٍ شديدٍ لعلّها تجد ضالتّها كما أخبرتها الصخرة.. وفي نهاية الدرج ذُهلتْ لما رأته.. وجدت نفسها داخل قصرٍ شاسع أعمدته من رخام.. أُثِّثَ بأفخر الأثاث.. في كلّ زواياه هناك شَمْعِدانات من فضّة وذهب غُرست فيها شموعًا أنارت القصر، حتّى الأرض فُرشتْ بِزَرَابِيّ مزركشة وبألوان ورسوم زاهية..

 بينما كانت الأميرة تجول ببصرها في أرجاء القصر منبهرة بجماله، وقعت عيناها على فتاة ذات حُسْن وجمال.. تلبس من الثياب أفخرها وتتزيّن بأغلى المجوهرات.. ركضت نحوها الفتاة ورحبّت بها ترحيبا كبيرا وأخبرتها بأنّها لم ترى إنسيّا لسنوات طويلة.. ولاحظت علامات التّعب بادية على وجهها فرافقتها إلى إحدى الغرف وقدّمت لها طعاما يليق بالملوك.. ثمّ طلبت منها أن تأخذ قسطًا من الراحة، رفضت الأميرة النوم رغم تعبها فهي على عجلة من أمرها.. وسألتها من تكون؟.. ولماذا لا يوجد خدم في القصر؟.. وكيف بُنيَ هذا القصر تحت الأرض؟.. اُنهالت الأميرة عليها بالأسئلة فأخذت الفتاة في البكاء وقصتّ عليها قصتّها.

 

الفتـاة والأمـيرة

أخبرتها الفتاة أنّها بنت أحد الملوك، وقع خُطفت مع أختيْها من طرف عفريت ليلة زفافها وحرمهنّ من عائلتها وسجنها في هذا القصر.. ومن تلك اللحظة ليس لديها معلومة عن أهلها وإخوتها الأميرتين والأمراء وأعلمتها بأنّها أول إنسان يدخل هذا القصر.. وكان العفريت يغيب عنها خمسة أيّام ويجلب لها مجوهرات وثياب وأصناف عديدة من الأطعمة وألذّها تكفيها حتّى يعود إليها مرّة أخرى.. ولا تعلم إلى أين يذهب.. وكلمّا رَجَتْه بأن يعيدها إلى أهلها يغضب منها ويُسيء معاملتها.. وفي المقابل سردت عليها الأميرة بدورها عن قصتّها.. ووعدتها بأن تسأل العفريت عن يوسف المسحور من المؤكد أنّ لديه معلومات كافية لأنّه جِنِّيٌ.

 ثمّ طلبت منها أن تصعد إلى الخارج وتجمع لها بعض الرّيش وتُخبّأ حصانها جيّدا وأعطتها بعض الشّعير ليأكله ودلو ماء كبير حتّى لا يُكتشف أمرها فيقتلها العفريت، لأنّ موعد قدومه قد اقترب واختبأت في إحدى الغرف البعيدة.

أظلمت السّماء فجأة وسرعان ما هبّت ريح قويّة كأنّها عاصفة وإذا بعفريت ضخم قبيح المنظر يزمجر داخل القصر، أسرعت الفتاة إلى استقباله، فصاح في وجهها وأخبرها بأنّه اُشتمّ رائحة إنسان، تمالكت نفسها وقد شحب وجهها من الخوف وأسرعت وجاءت بالريش تعلمه بأنّها مصدر الرائحة التي اشتّمها.. فمن سيكتشف مكانها وهي قابعة تحت الأرض.

  نجحت الفتاة في تهدئته وجلبت له الطعام وتجاذبت معه أطراف الحديث وسألته إن كان لديه عِلْم بقصة يوسف المسحور المدفون تحت سبعة قبور.. غضب العفريت وأمسك الفتاة من يدها حتّى آلمها متسائلاً إيّاها كيف عرِفت باسمه، أخذت الفتاة بالبكاء وأخبرته بأنّها سمعت عنه من مُربِّيتها عندما كانت صغيرة وأرادت أن يحدّثها عن قصتّه للمسامرة فقط، صدّقها الجنيّ ثمّ طلب منها أن لا تذكر اسمه مرّة أخرى.. ثمّ خلد إلى النوم.

مع بزوغ الفجر غادر العفريت القصر فأسرعت الفتاة إلى الأميرة واعتذرت منها لأنّها لم تتمكّن من معرفة قصة يوسف المسحور.. لكنّها نصحتها بالذّهاب إلى قصر أختها الذي يبعد عنها مَسِيرَ ثلاثة أيّام لعلّها تجد جوابا لسؤالها.. ثمّ وصفت لها الطريق جيّدا وزوّدتها ببعض الأكل والماء لتقتات عليه أثناء رحلتها، وقبل مغادرتها القصر أعطتها حبّة جوزٍ تُعينها وقت الشدّة.

تابعت الأميرة سيرها وكلما أحسّت بالتعب تستلقي تحت جذع شجرة وتأكل ما تيسّر من الطعام، إلى أن وصلت إلى أرش شاسعة جميلة وموحشة شبيهة بالمكان الذّي وجدت فيه قصر الفتاة، نزلت عن حصانها ووارته عن الأنظار، علمت أنّها في المكان الصحيح.. أخذت تبحث عن الصخرة الرخامية فلمّا عثرت عليها قامت بزحزحتها جانبًا ونزلت في الدرج لتجد نفسها داخل قصرٍ مُنيفٍ، وجدت فتاة حسناء ففرحت بقدومها.. قصّت عليها الأميرة سبب قدومها وطلبت منها المساعدة وأنّ أختها هي من أرسلتها إليها ثمّ خبّأتها في غرفة بعيدة حتّى لا يشتمّ رائحتها العفريت عند قدومه.

في المسّاء قدِم العفريت فأسرعت نحوه الفتاة ورحبّت به وقدّمت له الطعام وجلست بجانبه ثمّ سألته عن مكان قبر يوسف المسحور.. غضب الجنيّ وهمّ بضربها لولا أن أجهشت بالبكاء من شدّة الخوف فتراجع العفريت ونبّهها بعدم ذكر اسمه مرة أخرى ثمّ خلَدَ إلى النّوم.. في صبيحة الغد ذهبت إلى الأميرة وأعطتها حبّة جوزٍ تُعينها وقت الشدّة وأرسلتها إلى قصر أختها الكبرى لعلّها تجد جوابًا لسؤالها.

حتّى لا أطيل كثيرًا.. تعرّفت الأميرة على الأخت الكبرى التّي لم ترفض طلبها.. وكانت تتمتّع بذكاء حادّ ولها تأثير على العفريت فهي المفضّلة لديه.. عند قدومه رحبّت به كثيرا وأعدّت له أصناف الطعام التي يُحبّها والابتسامة لم تُفارق شفتاها وأخذَا يتجاذبان أطراف الحديث إلى أن سألته عن قصّة يوسف المسحور بطريقة غير مباشرة وأنّها لا تُصدّق كيف يُدفن شخص في سبعة قُبور ويبقى على قيد الحياة، لكنّ الجنيّ أخبرها بأنّ هذه القصّة هي حقيقية وأخبرها بتفاصيلها وكيفية خلاصه.

ترى كيف ستكون نهاية خرافتنا في جزءها الثالث والأخير؟

وهل ستنجح الأميرة في إنقاذ الأمير أم لا؟

 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع