يــوسف المسحور المدفون في ســبعة قــبور
الجــزء الأوّل
حــيلة المربّية لتزويج الأميرات
يُحكَى في قديم الزّمان عن سلطان عظيم -
ولا عظيم غير الله - يحكم بلادًا شاسعة بالعدل حتّى صار محبوبًا بين شعبه لِحِكمته
وحُسْن اختيار حاشيته.. رَزَقَه الله ثلاث فتيات آيةً في الحُسْن
والجمال، تعلّـق قلبه بهنّ وصار لا يُفارقهنّ إلاّ مضطرّا فحرِص على تعليمهنّ
وأحسن تربيتهنّ.
مرّت السنّوات، وكبرت الأميرات وأصبحن
في سنّ الزّواج، لكنّ السلطان كان يرفض كلّ شاب يتقدّم
لخطبتهنّ - سواء كان أميرًا أو ابن أحد وُجهاء المملكة - لأنّه لا يستطيع العيش
بدونهنّ والابتعاد عنهنّ لأنهنّ قرّة عينه. كانت الأميرات تشعرن
بالحزن وخشينَ أن تُصبحنَ عوانسَ وفي نفس الوقت لا تستطعنَ مفاتحةَ السلطان لخجلهنّ،
فأشارت عليهنّ المربيّة بحيلة تقنع بها السلطان ويوافق
على تزويجهنّ.
فأمرت الخدم بأن يجلبوا لها ثلاث ثمرات من اليَقْطين
بأحجام مختلفة وضعتها في سلّة ثمّ قامت بِلَفِّها بغطاء مطرّز وأرسلتها إلى السلطان كهديّة
من عند بناته، دخل الخادم إلى الديوان ووضع العلبة على الأرض - بعد أن ألقى تحيّة
على الملك - فتعجّب السلطان للهديّة وإلى حال ثمرات اليقطين
(كانت الثمرة الأولى كبيرة في الحجم ومتعفّنة، والثمرة الثانية أقلّ من الأولى
بقليل في الحجم وعلى وشك التعفّن، أما الثمرة الثالثة فكانت ناضجة وسليمة لا
يشُوبها شيء)، ثمّ سأل حاشيته عن معنى الهديّة بعد خروج
الخادم.
فهم الوزير مغزى الهديّة فأخبر السلطان بأنّ
كلّ ثمرة من الثمرات ترمز إلى بناته الثلاث وأنهنّ يرغبِنَ
في الزّواج وأنّ خوفه عليهنّ مُبالغٌ فيه فالزّواج سنّة من سُنَن الحياة،
اقتنع السلطان بكلام وزيره ووافق على تزويج بناته.. مرّت أسابيع قليلة
وتقدّم أحد الأمراء لخطبة إحدى الأميرات بعد ما سمع عن حُسن
خُلقهنّ وجمالهنّ، فرح السلطان واختار تزويج ابنته
الكبرى أوّلاً، فزُيّن القصر وأشاعوا خبر زواج الأميرة الكبرى في
المملكة.
الأميــر والعفريـــت
أقيمت الحفلات وجاء يوم العرس، وتوجهتّ العروس في موكب مهيب لا يليق إلا ببنات
السّلاطين إلى قصر الضيافة لِـتُقيم فيه مدّة من الزّمن ثمّ
تَـرْتَحِل مع زوجها إلى بلاده، وبقيت في انتظار زوجها المزعوم، عندما أراد الأمير أن يخلو بزوجته
فجأة اُنشقّ له الجدار وبرز منه عفريت ضخم يتطاير الشرّ من عينيه وبيده سيف كبير منعه من الدخول
على الأميرة وهدّده بقطع
رأسه إذا خطى خطوة إلى الأمام وقال بصوت زلزل جدران القصر:
هذه الأميرة هي من نصيب يوسف المدفون في سبع قبور.
فُزع
الأمير لِهوْل
ما رآه وسقط مغشيّا عليه واُختفى العفريت كأنّ شيئا لم يكن، ركض
إليه الخدم وحملوه إلى إحدى الغرف.. عندما أفاق الأمير كان وجهه
شاحبًا وأخبروا الوزير الذي جاء مُسرعا لمعرفة حقيقة الأمر وطلب
من الخدم اُلتزام الصمت وإلا قُطعت رؤوسهم ثمّ أمرهم بالخروج من الغرفة، فنظر
إلى الأمير - الذي كان في حالة ذهول ومصدومًا - مُستفسِرًا إيّاه
عن حقيقة الأمر، طأطأ الأمير رأسه وحار في أمره.. كيف سيُخبرهم
بأنّ هناك عفريتٌ برز له فجأة من الحائط وخاطبه؟! حتْمًا لن يُصدّقه أحد..
سيتهمونه بالجنون.. وكيف سينجو من غضب السّلطان؟!.. ربّما أمر بقطع
رأسه.
تشوّش رأسه ونظر إلى الوزير وأخبره
أنّه أحسّ بالضيق في صدره والثِّقلِ في قدميه عندما اقترب من غرفة الأميرة لذلك
تراجع عن الزواج وأنّه لا يوجد نصيب، احتار الوزير في
أمره وغاص في التفكير، ثمّ اٌهتدى إلى فكرة ينجّي بها الأمير من
غضب السّلطان وأقنعه بأن يتزوّج من الأميرة الوسطى لعلّها
تكون من نصيبه ويَسْعَدَ معها.
وافق الأمير مُجبرا فلم يكن لديه مخرج آخر واُتجه الوزير إلى السلطان وأخبره
بما حصل، غضب هذا الأخير غضبا شدّيدا لكنّ وزيره نجح في تهدئته
حتّى وافق على فكرته بزواج الأمير من اُبنته الوسطى طالما
أنّه لم يرى الأميرة الكبرى ولم يدخل مَضْجعها.
أمر السّلطان مربيّتها بأن تصطحب الأميرة
الكبرى إلى غرفتها وتُعلمها بأنّ الأمير ليس من قسمتها وأنّه سيتزوّج
بأختها الوسطى بدلاً عنها وأمرها بعدم السؤال وإطاعة أوامره، كان الأمر صعبا على السّلطان كأب
فَقَدْ حَزِن لِحزنها وطالبها بأن تحتسب لله لعلّه يكون في ذلك الخير الكثير.
قام الخدم بتهيئة الأخت الوسطى وهي لا
تدري أتفرح لزواجها أم تحزن عن حال أختها واصطحبوها إلى قصر
الضيافة في صمت وسريّة رفقة مربيّتها وبعض الخدم المخلصين لِتُـزّف إلى
الأمير بدل أختها - التّي لم تكفّ عن البكاء - جاء الأمير يجّر
قدميه جرّا والخوف يملأ قلبه من أن يبرز أمامه العفريت من جديد، عندما اقترب من
غرفة الأميرة حصل ما كان يخشاه، فهاهو العفريت أمامه
يلوّح بسيفه الضخم وهو يصرخ قائلا:
هذه الأميرة هي من نصيب الكلب ذو السلاسل السّبعة.
ارتعب الأمير ورجع راكضا إلى الوزير
مُستغيثًا - تحت دهشة واُستغراب الخدم الذين لم يفهموا ما حدث وما سبب هروبه فلا
أحد يرى العفريت غيره - وترجّاه بأن يساعده على العودة إلى بلاده
وأنّه ألغى فكرة الزّواج كلّيًا، أخبره الوزير بأنّه
لا يستطيع إنقاذه من غضب السّلطان هذه المرّة وأنّه ميّتٌ في كلّ
الأحوال، ويتوجّب عليه بأن يتزوّج من الصغرى لعلّه يَسْعَدَ معها،
وطلب منه الانتظار حتّى يحاول إقناع السّلطان بفكرته.
كان الوزير رجلاً حكيمًا وبليغ
اللّسان، وبالرغم من ذلك كان يخشى غضب السّلطان، عندما دخل إلى جناح السّلطان كان
تقاسيم وجهه غير مطمئنة لا تُبشِّرُ بالخير.. وفهِم السلطان أنّ
الزّواج لم يتمّ، لكنّ الوزير نجح في إقناعه مجدّدا مُتعلِّلاً بأنّ رفضه لفكرة
تزويج الأمير بالأخت الصغرى سوف يمُّسُ من سمعة الأميرات ويظنّ
النّاس فيهنّ سوءً وهذا الأمر سينعكس سلبًا على المملكة ويقلّل من هيبته كسلطان
عظيم أمام باقي السّلاطين...
أخيرًا وافق السّلطان على فكرة وزيره والحزن يعتصر قلبه، لكنّه أقسم على
إعدام الأمير بنفسه وفصل رأسه على جسده ويأمر جنوده بأن يجوبوا
به شوارع المدينة ليكون عبرة لكلّ من يتجرّأ على السّخرية من السّلطان في
حال رفض الزّواج هذه المرّة، قامت المربيّة بتزيين الأميرة
الصغرى المذهولة لما يحدث وأرسلتها في سريّة إلى قصر الضيافة وسط دهشة
الجميع لما يحصل في القصر وبين بكاء أختيها وحزنهما وما بين
سعادتهما لزواج أختهما.. كان الوضع مضطربًا جدًّا ومُربكًا للجميع.
توجّه الوزير وأخبره بوعيد السّلطان إن
لم يتمّ الزواج هذه المرّة - كان الأمير المسكين في
وضعٍ لا يُحسد عليه - فقد حُشر في الزّاوية وهو بين غضب العفريت وبين
غضب السّلطان ففي كلتا الحالتين موته مؤكد، توجّه الأمير نحو
غرفة العروس وهو يتصبّب عرقّا وقلبه يرتجف خوفًا من العفريت، يلتفت
يمينةً ويسْرةً والخدم في حيرة من أمرهم، بلغ الغرفة ووقف متسمّرًا مكانه ينظر إلى
الحائط في بلاهةٍ.. ظلّ على حاله عدّة دقائق لم ينشقّ خلالها حائط ولم يظهر له عفريت..
عندها تنفّس السعداء ودَلَف الغرفة مُسرعًا كمن يهرب من شيء مخيف، وقد كان على
حقّ.
مضت السّاعات ولم يخرج الأمير من غرفة الأميرة، عندها علِمَ الوزير بأنّ الزواج قد تمّ وأنّ الأمير صَاهر أخيرًا السّلطان، فأسرع إلى جناح السّلطان وزفّ إليه البشرى مُعلنًا عن اُنتهاء هذه الليلة الطويلة والغريبة في نفس الوقت، ومعها اُنتهى الجزء الأول من خرافة بنات السلطان، وسوف نتحدّث إن شاء الله في جزءها الثاني عن قصة ابنته الكبرى مع يوسف المدفون في سبع قبور... 😊
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا لمشاركتنا الرأي وتشجيعنا على الإستمرار.