القائمة الرئيسية

الصفحات

ذكـــــــــــــاء امــرأة


 ذكاء امرأة



"ذكاء امرأة" هي قصّة اجتماعية اليوم ذات صبغة تراثية تطرح وضعية المرأة في تلك العصور ودورها الاجتماعي داخل العائلة.


الطـراز المعماري

تدور أحداث القصة في إحدى المنازل التونسيّة قديما، وكما نعلم أنّ الطراز المعماري سابقا يختلف تماما على ما هو عليه الآن فقديما تتسّم البيوت العربية بشساعة المساحة فهي تتألّف من عدّة غرف تتوسّطها ساحة تسّمى "بوسط الدار" تسمح بدخول أشّعة الشّمس للتهوية وكانت تسمّى آنذاك "بالدار العربي"، وكان البيت الواحد يضمّ أكثر من عائلة، فعندما يتزوّج الشّاب يقطن عند أهله وكان يسودهم الإحترام والمحبّة عكس حالنا اليوم. 


صاحبة "السعد القوي"

وكان من عادة النسّوة في ذاك العصر ينتهزن خروج أزواجهنّ إلى العمل ليجتمعن عند إحدى الجارات ويتجاذبن أطراف الحديث هناك من تشتكي قسوة زوجها وسوء معاملة أولادها، إلا امرأة واحدة كانت تلتزم الصمت دائما ولم يسمعن منها شكوى لا عن زوجها ولا عن ابنها فلقبّوها بصاحبة "السَّـعْـد القوّي" ظنّا منهنّ أنّها مدللّة فصرن لا ينادينها إلا بهذه التسّمية الجديدة التّي أصبحت ملاصقة لها، غير أنّها كانت كلمّا تسمع هاته العبارة تهمهم قائلة: 

نصفه من عندي.

في يوم من الأيّام بينما كنّ مجتمعات عند إحدى الجارات سألتها إحداهنّ عن معنى همهمتها تلك "نصفه من عندي"، فأجابتهنّ قائلة: 

راقبنني ابتداء من هذا المساء واليوم الذي يليه وستلاحظن الفرق وتفهمن معنى كلامي.

عندما حلّ المساء، عاد الأب والابن من عملهما فرحبّت بهما كعادتها وقدّمت لزوجها إناء فيه ماءا دافئا ووضعت فيه قليلا من الملح وقامت بفرك قدميه والابتسامة تعلو محيّاها علها تنسيه تعب يومه ثمّ قدّمت لهما طعام العشّاء في فناء المنزل فأكلا حتّى شبعا - وكلّ ذلك تحت أنظار جاراتها اللاتي كنّ يسترقن النظر من وراء الحائط الفاصل بينهم- وتجاذبوا ما تيسّر من الحديث وتفاكهوا فيما بينهم ثمّ خلد كلّ منهما (الأب والابن) إلى النوم، ثمّ قامت الزوجة ووضّبت المكان وغسلت الأواني ثمّ دخلت غرفتها وغيّرت ملابسها وخلدت بدورها إلى النّوم.


حـيلة ذكيـة

في فجر اليوم التّالي، نهض الزّوج وأيقظ زوجته كعادته لكي تسكب له ماء الوضوء وتجهزّ لهما فطور الصباح لكنّها تظاهرت بالتعب فلم يجد بدّا من إيقاظ ابنه وتناوبَا على سكب الماء في مضضٍ ثمّ أقامَا الصلاة.

قُـبَيل عودة زوجها، ذهبت الزوجة عند جاراتها وطلبت منهنّ مراقبتها حتى يشاهدن بأنفسهنّ صدق كلامها ثمّ عادت إلى منزلها مستمرّة في التظاهر بالتعب، كالمعتاد وعند الظهيرة عادَا كلاهما (الزّوج والابن) إلى المنزل فلم يجدَا أكلاً فلم يُعجبهما الحال وأحسّا بالضيق لأنّهما صباحًا لم يتناولا فطورهما والآن أيضا لا يوجد غذاء فغضب الزّوج ثمّ زمجر وهو يلوم زوجته عن هذا التقاعس ولم يخطر بباله سؤاله عن حالها، فما كان من الزوجة محاولة امتصاص غضبه وتعلّلت أنّ كل ذلك بسبب التعب لا غير وطلبت منه التحليّ بالصبر حتى ينضج الطعام.

في المساء، عاد الزّوج باكرا إلى المنزل فوجد زوجته جالسة في فناء المنزل تتجاذب أطراف الحديث مع جاراتها، فألقى السّلام ودلف إلى غرفته ثمّ نادى الزوجة فلم تجبه متعمّدة، كتم الزّوج غضبه فلم ينبس ببنت شفة نظرا لوجود النسّوة اللاتي تركنها عند قدوم ابنها، فنهضت ووضعت لهما العشاء كالعادة في فناء المنزل بوجه عابس ودون أن تتفوّه بكلمة ودخلت غرفتها للنوم. 

بعد وقت قصير تعالت الأصوات فظنّ الجيران بأنّه حصل شجار بين الأب وابنه فأسرعوا للتهدئة والإصلاح بينهما، لكنّهم تفاجئوا بما رأوه فالأب والإبن كانا يصرخان عن الزّوجة والسبب أنّها تكاسلت في الاهتمام بهما على غير عادتها.


حقيقة الـوضع

نظرت الزّوجة إلى صديقاتها قائلة:

"هل فهمتنّ الآن معنى كلامي (نصفه من عندي)؟"

وأردفت في حزن "تكاسلت ليوم واحد فقط - وكنت متعمّدة - في عدم تلبية طلباتهما مثل العادة، فلم اجني منهما غير الصراخ، فالسّعادة التي غبطتنّني عنها كانت كلها منّي لأنني طوال سنين وأنا أتفانى في الاهتمام بهما بكلّ حبّ لأنّهما يشقيَا في عملهما وهما لم يفكرّا قط بأنّني إنسان أتعب وأشقى مثلهما أو أكثر".

عند سماعها خجل الإبن من نفسه فأسرع وقبلّ يد أمّه، وما كان للزّوج من بدّ إلاّ الاعتذار منها بعد ما علم الاختلاف بينها وبين باقي النّسوة لأنّها اجتهدت في طاعته وتوفير كلّ سبل الرّاحة له ولابنها، أمّا جاراتها فهمن سرّ سعادتهم وسرّ حبّ زوجها لها.

في النّهاية يمكن القول بأنّ العبرة المستخلصة من هذه القصّة القصيرة أنّ استمراريّة الحياة الزوجيّة قائمة على المشاركة وتقاسم المهّام والأدوار بين أفراد الأسرة وعدم الوقوف على أمور لا قيمة لها من الممكن أن تعكرّ الجوّ العائلي، مع أهميّة المراوحة بين الشدّة والليّن فالزوجة هي الأم وهي محور كلّ بيت ولا تنسى أيّها الرجل -أنّها إنسان مثلك- تتعب وتمرض -وليست آلة- وغايتها الوحيدة هي إسعاد كلّ أفراد عائلتها، ونختم قصتنا بحديث رسول الله في حديثه:


فرفقًا بالقوارير.

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع